أذكرأنني عندما كنت طفلا كان يسكن معنا في نفس العمارة ولدان ؛ تقريبافي نفس سني وأخي كان أسمهما(سامي وسامح)كنا دائما ما نلعب الكرة معا "إسلام وسامي"و"باسم وسامح"كان إسلام وسامي أهلاويان بالفطرة وكان سامح-أكبرنا سنا-زملكاويا؛ فصار من الواجب أن أكون زملكاويا؛ فأصبحت زملكاويا متعصبا.أذكر في ذاك الوقت عندما كان أبي يشتري لي كرة ؛فاخترت البيضاء بالطبع، وبعد مسيرة عدة خطوات كنت أريد أن أعيدها لأني اكتشفت بعض البقع الحمراء تلوث شرفها؛ ولم أهدأ حتى قال لي أبي أن فانلة الزمالك بها شرطتين حمر.ثم وقعت الواقعة عندما اكتشفت عائلة والدتي أنني-استغفر الله العظيم-زملكاوي، لم يقولوا لي" أنت مش عارف الزملكاوية بيروحوا فين؟بيروحوا النار"ولكنهم اكتفوا بتحذيري بأن خالي أهلاوي؛ وبما أنه خالي الوحيد ويعز علي فصرت أهلاوي، أهلاوي متعصب؛ لا أفهم كيف تعيش تلك الكائنات الزملكاوية على وجه البسيطة مثلنا وتأكل مما نأكل منه وتشرب مما نشرب منه وفي النهاية يفعلون هذا بأنفسهم!!!
المشكلة أن كل ما سبق حدث تقريبا قبل أن أشاهد مباريات الكرة في التلفاز، فوالدي يكره كرة القدم أساسا، ولكن بعد عبور المرحلة الابتدائية بدأت أشاهد المباريات في التلفاز ووصلت ساعتها لنتيجة عجيبة جدا...
أن كلا الفريقين جيد
وبالتالي
ما هي الفكرة في أن أشجع فريق وأكره الثاني؟
نعم يأتي وقت ويكون هذا أقوي أو ذاك
ويأتي وقت المتعة عندما يكونا قريبان في القوة
ولكن في النهاية
ما معنى إنتمائي لفريق ما؟
أنا أتكلم عن وقت الأعدادية، وقت أن كان انتماءك الكروي يلخص موقفك في الحياة.
أخفيت نتيجة تفكيري داخل نفسي وصرت أهلاويا بالبطاقة.يعني إذا سألني أحدهم"ومن أي القبائل أنت يا أخا العرب؟" أنظر له بآباء وشمم-وأحيانا بتعجب وبلاهة-"الأهلي –طـــــــــــــــــــــــــبعا- تحب تشوف البطاقة؟" .أحيانا كنت أحاول أن أدعو بعض الأصدقاء للدين الجديد سرا فأقول لصديقي صلاح الزملكاوي مثلا"يعني لو الزمالك خد أكبر بطولة في العالم، أنت حتستفيد إيه؟"فيحاول أن يشرح لي مقدار السعادة السرمدية التي سينعم بها ساعتها.
ثم ما لبثت أن جهرت بلا انتمائي أثناء الثانوية"وأنت بتشجع مين يا "كابتشن"؟"فأجيب "مركز شباب عين شمس إن شاء الله.بصراحة ماليش في الكورة".وأتجاهل نظرات التعجب الموجهة لي"تصور بقى في منهم كتير اليومين دول، دا أنا حتى لسه مقابل أتنين منهم
في ميدان العتبة إمبارح" "لأ المفروض يتصرفوا فيهم قبل ما العدوى تنتشر"
أذكر أن أسعد أوقات حياتي كانت عندما يذيعوا أحد بطولات التنس- بالرغم من أن معلقين التنس عندنا قادرين على إصابة أنفسهم بالملل-أو كرة السلة.وقتها اكتشفت أن لعبة كرة القدم ليست هي أجمل لعبة في العالم.وفي الفترة التالية عندما أدمنت الاستماع للمذياع كانت أحد المحطات العديدة التي كنت أسمعها هي الـ"بي . بي. سي"وكانت جيدة في كل شيء بالنسبة لي ماعدا في أخبار الرياضة والاقتصاد.بالنسبة للرياضة كانوا يتكلمون عن لعبة غريبة أسمها "الكريكت"-ربما من شاهد كرتون" أليس في بلاد العجائب"يتذكرها عندما كانت ملكة القلوب تمسك بمطرقة لتمرر بها الكرة بين عوارض ضيقة- المشكلة أن هناك عدد قليل من البلاد في العالم يلعب هذه اللعبة بشكل شعبي، وأذكر أن المذيع قال في أحد المرات " لا تحاول أن تقول أن الكريكت لعبة مملة أمام باكستاني أو هندي"اثناء تعليقه على الاستعداد لأحد المباريات الهامة بين الفريق الإنجليزي والباكستاني وحماسة الجماهير الباكستانية لهذه المبارة.فكرت أن الدول التي تلعب الكريكت كانت مستعمرات إنجليزية لفترة طويلة وإن كرة القدم أيضا هي لعبة إنجليزية الأصل ولكن حظها كان أحسن لأنها أسهل وأقل مللا مما ساهم في انتشارها على نطاق واسع وأنه إذا كان الناس في الهند وباكستان لم يروا في الكريكت مللاً للتعود فمن الطبيعي...، وباقي تلك الأفكار التي تردد بعدها-بينك وبين نفسك-"أستغفر الله العظيم، لأ مش معقولة تفكير الواحد يوصل للدرجة دي، طب أحمد ربنا إن مافيش حد من بتوع 7أيام رياضة في الأهرام أو الصحافة الكروية قصدي الرياضية سامعك، عشان الخطوة الجاية إنك حتقول إن هما وغيرهم اللي سوقوا لنا الوهم ده وعيشونا فيه وبعدين عاشوا منه"
تنظر للآلاف في المدرجات تشعل حناجرها في الهتاف، ثم زجاجات البيروسول، ثم نحمد الله إذا ما عادوا إلى بيوتهم بدون إصابات أو مشاجرات كبرى.
تنظر مرة أخري في الصحف–بعد بطولة بوركينا فاسو مباشرة-لتجد أحدهم في مصر قد خلع ملابسه ولون جسده كله، ثم لن تنتظر طويلا حتى تجد الفتيات في وسط الجماهير في "مطحن القاهرة الدولي"المعروف باسم"استاد القاهرة الدولي" وقد لون وجوههن والكل سعيد والكل يغني "مبروك النصر لمصر" (الصحيح لغويا مبارك).
تشاهد في التلفاز -في قناة العربية- أيام البطولة الأفريقية الأخيرة في القاهرة.منظرا تتضاءل بجواره المجمعات الاستهلاكية أيام الستينات والسبعينات ومشاهد توزيع المعونات الغذائية لضحايا الحروب الأهلية، الخبر هو "ثمن تذاكر المبارة النهائية يصل لألف جنيه" والصورة لشراء هذه التذاكرومع الزحام الشديد الرهيب الخرافي؛ تتصور أننا عبرنا عنق الزجاجة أخيرا، أو أن الألف جنيه (دول تمن باكو بسكوت)ثم في أحد اللقطات تجد ثلاث بنات وقد خرجن من الزحام ؛ تبدو عليهن ملامح الفرح وهن يمسكن بتذاكر المبارة(مبروك عليكن النصر)
ثم تقرأ لأحدهم-الذي لن أذكر أسمه لأني لا أريد الإصابة بجلطة دماغية -مقالا رائعا يشيد فيه بأولاد مصر الذين رفعوا أسمها عاليا بعد أن ظننا أن التيارات المتطرفة(يا ماما،يا ماما) قد سادت الأوساط الشبابية، ويبدي إعجابه ببنات مصر الأشاوس اللاتي مارسن حريتهن في تلطيخ وجوههن بالأصباغ غير الضارة بالبيئة ثم الذهاب للاستاد عبر العجينة البشرية المسماة بالجمهور وبذلك فهن قد شاركن في صنع الإنتصار العظيم(مبروك النصر لمصر)الذي لم يكن ليتم لولا وجود ورعاية.....(بس كده حتودي نفسك في دهاية)ثم يكمل قائلا"ولكن كيف نستغل هذا الشباب المتحمس" ولا يتعب نفسه بالتفكير فالحل موجود وأسهل من امتحانات"كي جي ون "روحوا أزرعوا الصحرا، روحوا أزرعوا الصحرا"
أكاد أقفز من مكاني قائلا"مدد يا سيدي أحمد عبد اللطيف مداااااد"(فهكذا انتهت كل المشاكل التي تعيق تعمير الصحراء وبقيت مشكلة الأيدي العاملة-وهو الشيء الوحيد الذي لا نعاني فيه أي مشاكل-ثم بالصدفة تم العثور عليهم)ولكني لن أفعل ولن أخالف النظام تعلمون ماذا سأفعل سأظل واقفا وأردد مع كورس السيارات المختنقة في زحام المساء.
بيب بيب بيــــــــــــــــــــــــــــب ، بيب بيب بيــــــــــــــــــــــــــــب بيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب
------نهاية الجزء الأول-----والجزء الثاني-غالبا- غير منتظر------
No comments:
Post a Comment