٢٠/٦/٢٠٠٧
هذا المقال للكاتب الكبير فهمي هويدي تم منع نشره أمس بجريدة «الأهرام».. و«المصري اليوم» تنشره كاملاً:
هل الذي حدث في غزة انقلاب، أم أنه إجهاض لانقلاب؟ هذا السؤال ألح علي بشدة حين تجمعت لدي مجموعة من الشهادات والوثائق المهمة ذات الصلة بالموضوع. وها أنا أضع خلاصاتها، وبعض نصوصها، بين يديك، كي تشاركني التفكير في الإجابة عن السؤال.
(١)
يوم الخميس الماضي ١٤/٦ نشرت صحيفة «نوي فيليت» الألمانية تقريراً لمعلقها السياسي فولف راينهارت، قال فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش خططت منذ فترة طويلة لتفجير الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وتحريض تيار موال لها داخل فتح علي القيام بتصفيات جسدية للقادة العسكريين في حركة حماس.
وقد تحدث في هذا الموضوع صراحة الجنرال «كيث دايتون» مسؤول الاتصال العسكري الأمريكي المقيم في تل أبيب، في جلسة استماع عقدتها في أواخر مايو الماضي لجنة الشرق الأوسط بالكونجرس الأمريكي. وفي شهادته ذكر الجنرال دايتون أن للولايات المتحدة تأثيراً قوياً علي جميع تيارات حركة فتح، وأن الأوضاع ستنفجر قريباً في قطاع غزة، وستكون عنيفة، وبلا رحمة. وقال إن وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات المركزية ألقيتا بكل ما تملكان من ثقل، في جانب حلفاء الولايات المتحدة وإسرئيل داخل حركة فتح.
كما أن تعبئة الأجهزة الأمنية والعسكرية، التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية ضد حماس، يمثل خياراً استراتيجياً للإدارة الأمريكية الحالية. وهو ما يفسر أن الكونجرس لم يتردد في اعتماد مبلغ ٥٩ مليون يورو، لتدريب الحرس الرئاسي في بعض دول الجوار، وإعداده لخوض مواجهة عسكرية ضد حركة حماس.
أضاف المعلق السياسي للصحيفة الألمانية أن التيار الأمريكي ـ الإسرائيلي، داخل فتح، لم ينجح، رغم كل الدعم السخي الذي قدم إليه، في كسر شوكة حماس. وهو ما دفع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلي استدعاء خبرتها السابقة في جمهورية السلفادور، وتوجيهها للعناصر الفتحاوية المرتبطة بها، لتشكيل فرق الموت لاغتيال قادة وكوادر حماس.
وتحدث راينهارت في هذه النقطة عن خيوط كثيرة تربط بين فرق الموت والحرس الرئاسي الفلسطيني والمستشار الأمني النائب محمد دحلان، ونسب إلي خبيرة التخطيط السياسي بالجامعات الإسرائيلية «د.هيجا ياو مجارتن» قولها إن دحلان مكلف من وكالة المخابرات المركزية وأجهزة أمريكية أخري، بتنفيذ مهمة محددة، هي تصفية أي مجموعات مقاومة لإسرائيل داخل وخارج حركة حماس.
(٢)
في ١٠ يناير الماضي، وجه رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية رسالة إلي رئيس السلطة أبومازن، نصها كما يلي:
نهديكم أطيب التحيات، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد. لقد توافرت لنا بعض المعلومات، في الآونة الأخيرة، تشير إلي خطة أمنية تهدف إلي الانقلاب علي الحكومة والخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني. ويمكن إيجاز هذه المعلومات في النقاط التالية:
- إدخال كميات ضخمة جداً من السلاح لصالح حرس الرئاسة، من بعض الجهات الخارجية، بمعرفة ومباركة من أمريكا وإسرائيل.
- تشكيل قوات خاصة من الأمن الوطني، تقدر بالآلاف، لمواجهة الحكومة الفلسطينية والقوة التنفيذية واعتماد «مقر أنصار في غزة» مقراً مركزياً لها.
- تجهيز هذه القوات بالسيارات والدروع والسلاح والذخيرة وصرف الرواتب كاملة للموالين.
- تعقد اجتماعات أمنية حساسة لعدد من ضباط الأمن الفلسطيني في مقر السفارة الأمريكية، حيث تناقش فيها خطط العمل.
- البدء في إجراءات إقالة لعدد من الضباط واستبدال شخصيات أخري بهم، مع العلم أن لجنة الضباط هي المختصة بهذه الشؤون، كذلك تعيين النائب محمد دحلان من طرفكم شفوياً كقائد عام للأجهزة الأمنية، وفي ذلك مخالفة قانونية.
- تهديد الوزراء ورؤساء البلديات بالقتل، حيث تم الاعتداء علي الوزير وصفي قبها وزير الأسري، وإعلامه عبر مرافقه أن الاعتداء القادم سيقتله. وكذلك تم تكليف أحد ملياردي فتح من غزة بتصفية الوزير عبد الرحمن زيدان ـ وزير الأشغال والإسكان ـ مقابل ٣٠ ألف دولار.
الأخ الرئيس: بناء علي ما سبق، وغيره الكثير من المعلومات التي نمتلكها، فإننا نعبر عن بالغ أسفنا إزاء ما ورد، حيث إن ذلك يهدد النظام السياسي الفلسطيني، والنسيج الوطني والاجتماعي، ويعرض القضية برمتها للخطر.
في الوقت الذي أرسل فيه السيد إسماعيل هنية هذا الخطاب إلي أبومازن، كانت أمامه معلومات محددة حول بعض تفصيلات الإعداد للخطة الأمنية، التي منها علي سبيل المثال: تعيين محمد دحلان قائداً عاماً للأجهزة الأمنية ـ اختيار ١٥ ألف عنصر من الموالين، لتشكيل قوة خاصة في الأمن الوطني لمواجهة حماس ـ دخول١٥٠ سيارة جيب مزودة بأجهزة الاتصال اللاسلكي ـ توفير ٢٠٠٠ مدفع كلاشينكوف إضافة إلي ثلاثة ملايين رصاصة ـ توفير الملابس الخاصة والدروع للقوة الجديدة ـ إعادة بناء جميع الأجهزة الأمنية وإقالة ١٥ من قادتها واستبدال آخرين موالين بهم ـ إقالة ١٨٥ من ضباط الأمن الوطني لتنقية صفوف الجهاز من غير الموثوق في موالاتهم.
(٣)
يوم ٦/٦ نشرت صحيفة «هاآرتس» أن جهات في حركة فتح توجهت أخيراً إلي المؤسسة الأمنية في إسرائيل، طالبة السماح للحركة بإدخال كميات كبيرة من العتاد العسكري والذخيرة من إحدي دول الجوار إلي غزة، لمساعدة الحركة في معركتها ضد حركة حماس. وأضافت الصحيفة أن قائمة الأسلحة والوسائل القتالية تشمل عشرات الآليات المصفحة والمئات من القذائف المضادة للدبابات من نوع «آر.بي.جي»،
وآلاف القنابل اليدوية وملايين الرصاصات. كما ذكرت أن مسؤولي فتح تقدموا بطلباتهم في لقاءات مباشرة مع مسؤوليين إسرائيليين، كما أن المنسق الأمني الأمريكي الخاص في المناطق الفلسطينية المحتلة الجنرال كيث دايتون نقل طلباً مماثلاً إلي إسرائيل.
أضافت الصحيفة أن إسرائيل سمحت لـ«فتح» في السابق بتلقي كميات من الأسلحة شملت ٢٥٠٠ بندقية وملايين الرصاصات.. وقد تقرر إدخال الآليات المصفحة التي لا تعتبر سلاحاً يشكل خطراً علي الدولة العبرية. لكنها استبعدت الموافقة علي طلب تلقي قذائف صاروخية، لخشيتها من أن تقع في يد حماس.
نقلت الصحيفة عن الرئيس أبومازن قوله، في أحاديث مغلقة، إن أمله خاب من رفض إسرائيل السماح بإدخال الأسلحة المطلوبة لفتح، وأضافت أن ثمة خلافاً في الرأي داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بخصوص الموضوع، خصوصاً أن غالبية خبراء جهاز الأمن العام (شاباك) ومكتب تنسيق شؤون الاحتلال يعتقدون أن فتح ضعيفة للغاية في القطاع، وقد تنهار في المواجهة مع حماس.
في ١٣/٦ ذكرت صحيفة «معاريف» نقلاً عن مصادر في الأجهزة الأمنية، أن سقوط مواقع الأمن التابعة للسلطة في أيدي حماس، يدلل علي خطأ الرأي القائل بوجوب تقديم الدعم العسكري لحركة فتح، لأن ذلك السلاح سيعد غنيمة تقع في أيدي حماس.
(٤)
يوم الجمعة ١٥/٦، وهو اليوم التالي مباشرة لاستيلاء حماس علي مواقع الأجهزة الأمنية في غزة، ذكرت النسخة العبرية لموقع «هاآرتس»، علي موقعها علي شبكة الإنترنت، أن كلا من الإدارة الأمريكية والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفق علي خطة عمل محددة لإسقاط حكم حماس، عن طريق إيجاد الظروف التي تدفع الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة لثورة ضد الحركة. وأشارت الصحيفة إلي أن خطة العمل، التي تم التوصل إليها بين «الجانبين» تضمنت الخطوات الآتية:
١ـ حل حكومة الوحدة، وإعلان حالة الطوارئ، لنزع الشرعية عن كل مؤسسات الحكم التي تسيطر عليها حماس حالياً في قطاع غزة.
٢ـ فصل غزة عن الضفة الغربية والتعامل مع القطاع كمشكلة منفردة، بحيث تقوم الإدارة الأمريكية وعباس بالتشاور مع إسرائيل والقوي الإقليمية والاتحاد الأوروبي لعلاج هذه المشكلة، ولا تستبعد الخطة أن يتم إرسال قوات دولية إلي القطاع.
٣ـ تقوم إسرائيل بالإفراج عن عوائد الضرائب، وتحويلها إلي عباس، الذي يتولي استثمارها في زيادة «رفاهية» الفلسطينيين في الضفة، إلي جانب محاولة الولايات المتحدة إقناع إسرائيل بتحسين ظروف الأهالي في الضفة، لكي يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة بأن أوضاعهم لم تزدد إلا سوءًا في ظل سيطرة حركة حماس.
٤ـ اتفاق عباس والإدارة الأمريكية علي وجوب شن حملات اعتقال ضد نشطاء حماس في الضفة الغربية، من أجل ضمان عدم نقل ما جري في القطاع إلي الضفة.
٥ـ إحياء المسار التفاوضي بين إسرائيل والحكومة، التي سيعينها عباس في أعقاب قراره حل حكومة الوحدة الوطنية.
أشارت الصحيفة إلي أن أبومازن حرص علي إطلاع مصر والأردن علي القرارات التي توصل إليها قبل إعلانها، مشيرة إلي أن أبومازن طالب الدولتين بتأييد قراراته وقطع أي اتصال مع حكومة حماس في القطاع.
في الوقت ذاته، خرج كبار المسؤولين في إسرائيل عن طورهم، وهم يشيدون بقرار أبومازن حل الحكومة وإعلانه الطوارئ. فقال وزير الحرب الإسرائيلي عمير بيرتس ـ قبل تعيين باراك مكانه ـ إن ذلك القرار ساهم في تقليص الآثار السلبية جداً لسيطرة حماس علي القطاع، واعتبر أن الخطوة تمثل مصلحة استراتيجية عليا لإسرائيل.
من ناحية أخري، ذكرت صحيفة «معاريف» في عدد الجمعة ١٥/٦، أنه في ظل قرار أبومازن حل حكومة الوحدة الوطنية، فإن إسرائيل تدرس بإيجابية إمكانية الإفراج عن مستحقات الضرائب التي تحتجزها، لكي تحولها إلي الحكومة الجديدة. وأشارت الصحيقة إلي أن إسرائيل قد تعلن عن قطاع غزة ككيان عدو، ومن غير المستبعد أن يتم قطع الكهرباء والماء عن القطاع، خصوصاً إذا استمر إطلاق الصواريخ منه.
علي صعيد آخر، قال الجنرال عاموس جلعاد، مدير الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلي، والمسؤول عن بلورة السياسة الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية وقطاع غزة، إن إسرائيل تحتاج أكثر من أي وقت مضي لمساعدة الدول العربية، وتحديدًا مصر، في مواصلة خنق حركة حماس، سيما بعد إنجازها السيطرة علي كامل قطاع غزة، معتبراً أنه في حال لم يتم نزع الشرعية عن وجود حركة حماس في الحكم،
فإن هذا ستكون له تداعيات سلبية جداً علي إسرائيل. وفي مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية ظهر الجمعة ١٥/٦ ، قال جلعاد إن الدول العربية «المعتدلة» مطالبة بنزع أي شرعية عربية أو دولية عن حكومة الوحدة الوطنية وعدم إجراء أي اتصالات معها، وأن الحصار العربي لحكومة الوحدة الوطنية هو مطلب أساسي وحيوي لنجاح الحصار علي الحكومة الفلسطينية.
أضاف الرجل أن أبومازن أصبح مهماً للغاية لإسرائيل الآن، إذ هو وحده الذي يستطيع تقليص الآثار السلبية لسيطرة حماس علي غزة. كذلك قال بنيامين إليعازر وزير البني التحتية، في تصريحات للإذاعة إن علي إسرائيل أن تتحوط للوضع الدراماتيكي الجديد بكل حذر.
وشدد علي وجوب بذل كل جهد ممكن لإقناع الدول العربية بالوقوف إلي جانبها في حربها ضد حماس. في ذات الوقت أشار عوديد جرانوت، معلق الشؤون العربية في القناة الأولي للتليفزيون الإسرائيلي، ظهر الجمعة إلي أن قرار أبومازن حل حكومة الوحدة الوطنية يمثل مصلحة لإسرائيل من حيث أنه يعني إسدال الستار علي اتفاق مكة..
أظنك لا تستطيع الآن أن تقول إنك لم تعثر علي إجابة السؤال الذي طرحته في البداية.
1 comment:
منور يا عم باسم
مبروك ياااااااامان
Post a Comment