Saturday 21 July 2007

اهلاوي بالبطاقة2- الحلم المصري




وهذا ليس من قبيل التخييل أو الوهم، فقط هذا ما رأيته، دون أن يثير اهتمام أحد غيري- فيما أعلم - فأنا أذكر جيدا منظر العلم المصري على سارية الكتيبة ممزقا والنسر المبجل متعلقا بخيط واه بباقي جسم العلم.كنت أمر في وقت اشتداد الرياح لأراه يكاد يطير بعيدا، فأتعجب من بقاءه حتى هذه اللحظة، وأتعجب أكثر من عدم الاكتراث بالموضوع من أصله بالرغم من أن تحية العلم شيء مقدس في كل جيوش العالم.
ظل على هذا الحال لأشهر عديدة حتى فطن إليه أحدهم قبل أحد التفتيشات و تم تغيير العلم بآخر جديد.

ولماذا أذكر هذه القصة، التي لا تعني أحد؛ فيما يبدو؟
وقتها كان ذهني مشغولا بتلك القضية- قضية الانتماء.ما الذي يجمعنا كمصريين، غير مظاهرات الفرح بعد مباريات الكرة، وإعلان نتائج الثانوية العامة.
أذكر وقتها السؤال الذي رددته طويلا لكثير من زملائي- أغلبيتهم الساحقة من الريف والصعيد- لماذا دخلت الجيش؟
وكان الرد الجاهز.."عشان أطلع جواز سفر وأطلع بره المخروبة دي"

ثم بعد مضي سنتين اجتمعت مع العديد منهم ومن دفعات أخرى لأسألهم"وماذا حدث بعد ذلك؟" وتنوعت الردود تحكي قصص الفشل في السفر للخارج سواء السفر نفسه أو العمل أو الهرب لجنوب أوربا.

وما المشكلة في كل هذا؟
حتى الحكومة اعترفت بهذا.فأثناء وجودي في تلك الفترة وجدت الراديو يذيع أغنية"لحجازي متقال"ينصح فيه"بلدياته"بأن يتأكدوا من سلامة التأشيرة وعقد العمل، ثم يأتي صوت المذيعة بعد الأغنية لتقول
"عارفين إنك عاوز تسافر وتكون نفسك، بس لازم قبل ما تسافر تتأكد من التأشيرة و..."
حتى أنا لا أرى تعارضا بين الانتماء والسفر، ولكن السفر كما يحدث الآن ليس سوى نوع من الهرب..هرب من كابوس.

تجميع وطن
في الكتاب الرائع "كل رجال الباشا" يشير المؤلف إلى أنه ربما كانت الحسنة الوحيدة لجيش "محمد على"هي أنه قد جمع كل هؤلاء الرجال في تلك الظروف القاسية وكون بينهم أرضية مشتركة(من القهر والذل)وحدت فيما بينهم بعد ذلك.
وتصديقًا لكلامه نجد أن ذلك الكيان كان أول كيان قام بالانتفاضة بعد ذلك في عهد الخديوي"توفيق"

كان هناك حلم يجمعهم والأهم كانت لديهم الوسيلة لتحقيقه.فمثلا بمجرد اعتقال"عرابي"وجماعة من كبار القادة قام البكباشي"محمد عبيد"مع فرقته بمهاجمة قشلاق قصر النيل وتحريرهم بمنتهى البساطة.
وبعد فشل الثورة العرابية ظل الجمهور ملتف حول كل من يحمل لواء الاستقلال التام. فليس من عجب أن يسمي مصطفى كامل جريدته باسم"اللواء"(العلم)واستمر الموضوع كما نعرف من دراستنا في التاريخ بتوالي الزعماء من "فريد" ل"سعد"ل"النحاس".
الشعب أغلبيته يناضل (مع) القائد الزعيم.
حتى أتت الثورة
وقالت للناس.

"كفاية عليكوا كده، أحنا هنكمل بدلكم".

نحن من يخطط ويفكر
نحن من ينفذ كل شيء
(برجالنا الثقات)
ولكننا سنسمح لكم باختيار من يمثلكم
ولكن لأنكم لم ترشدوا بعد فنحن من سيختار لكم
الأمر ليس معضلة فهل يقول الأبناء الأبرار لأمهم وأبيهم.. لا؟
ونحن لكم أكثر من أم وأب

وبهذا المنطق بدأنا الحلم العربي
وتوحدنا مع سوريا دون أن نعرف لماذا نتوحد
وانفصلنا دون أن نعرف لماذا
ودخلنا حرب اليمن ضد السعودية(اكتبوها عندكم لو كنتم مش عارفين)
دون أن نعرف السبب
وحتى إذا عرفت السبب، فما هي الفائدة.. أنت لا تستطيع تغيير شيء أصلا.. صوتك غير موجود.. فقط صوت الزعيم
لذلك عندما انكسر الزعيم في 67.. انكسر النظام
فقامت الجماهير لتعيده، لأنها فقدت القدرة على التفكير لنفسها.. فقدت القدرة على تحمل المسئولية.. أو بمعنى أقرب فقدت الثقة في نفسها.. أو للدقة الشديدة صارت مخصية.

فحتى بعد حرب73
اتخذ السادات قرار فجائي بزيارة اسرائيل، ولست في معرض الحديث عن مدى صحة القرار، ولكن عن طريقة اتخاذه.
بكره هنروح اسرائيل.. يبقى بكره نروح
دون الرجوع لأي جهة تمثل أو تنوب عن الشعب.
ولأننا تعودنا على ذلك..فمر الموضوع بشكل عادي.
وكل الاعتصامات والاحتجاجات والمقالات الملتهبة والتحليلات المتزنة، ليست أكثر من أقلية (الشعب)، تحاول أن تفرض رأيها على(أغلبية) الرئيس الملهم.
(يا ريت تراجعوا تعليقات ترزية العزبة وجماعة ارفع ايدك تاكل ملبن عن الحادثة الدستورية الأخيرة، والأقلية التي تحاول فرض رأيها على الأغلبية)

ومن هنا بالضبط أتت تلك الشعبية الكاسحة للكرة.
وقفة..ولكن بماذا أفسر سيادتي الشعبية الكاسحة للكرة في دول العالم المتقدم؟
أقول-سيادتي- أن الحب تختلف أنواعه وأشكاله.فهناك من يستمتع بالكرة كنوع من التسلية بعد ساعات العمل المرهق. وهناك من يتعصب لفريق لسبب أو لآخر(كارتباط الفريق بمدينته أو بعائلته)، وهناك من يكون انتمائه لفريق معين بديلا عن ارتباطه بوطنه.

" إن الإنسان لا يناضل إلا من أجل ما يحب، ولا يحب إلا ما هو حري بالتقدير والاحترام، فكيف يطلب من مواطن أن يحب وطنه ويقدره وهو يجهل تاريخه ولا يشعر في كنفه بأنه ينعم بما تؤمنه الدول الأخرى لرعاياها من طمأنينة وهناءة؟"
               "كفاحي" أدولف هتلر

فإذا كان وطني يخسر في كل البطولات، و هو لم يحبني أبدا ولم يعطيني أي فرصة لكي أحقق ذاتي وانتصر له ولي، فلماذا لا أرتبط- بشكل ما- بذلك القوي الذي ينتصر؟

"دا الاهلى هو الكيان الوحيد اللى بسببه علم مصر بيرتفع خارج ارضها" من رسالة لواحد أهلاوي

وذلك يحدث لأن ذاكرتنا ضعيفة جدا. أنا شخصيا لم أنس ما حدث بعد (الصفر الشهير لكأس العالم)
فاز بعض اللاعبين بميدليات في الأولمبيات فوجدنا صورهم تعلق في كل الشوارع والميادين بالحجم العملاق كأنهم فتحوا عكا. ولو كان هذا الموضوع يحدث في بلد مثل أمريكا لما وجدوا مساحة لهذه الصور.

ثم في البطولة الأفريقية التي جرت في مصر(من قبل أن نفوز بها)كانت الصور لمدرب المنتخب مع بعض لاعبيه(بلقطة كاميرا من أسفل توحي بالعظمة) تحتل الشوارع في حملة إعلانية غير مسبوقة، كأنهم سيفتحون عكا وبيت المقدس هذه المرة، وكأن الأمر لا يتعلق ببطولة حصلنا عليها خارج أرضنا عديدا من المرات.

و هذه هي أصول التخدير.

الأسوأ هو ادمان الناس لتلك المخدرات.قارن بين خروج الناس لاستقبال الذين أفرحوهم- بدون أي ضغوط -(من أول محمد عطية صاحب الدورة الدموية مرورا بثالث العالم للأندية ووصولا لأي كأس يمر عبر المطار) ، منتظرين لساعات دون أي فائدة حقيقية أو مزعومة ستغير أي شيء في حياتهم. وبين خروجهم لأي استفتاء أو انتخاب، يتعلق مباشرة بمستقبلهم هم وأولادهم أو حتى للتعبير عن رأيهم-هذا إن كان لهم رأي.

لماذا؟
لأنه تعود أن تحمل عنه الدولة العبء -في ذلك الجزء فقط من الحياة- من أول توفير الحافلات الحكومية للموظفين وإعطائهم(اللي فيه النصيب) وحتى تسويد البطاقات.

ربما كنا محتلين قبل الثورة، ولكننا كنا نحلم بالاستقلال.
ربما كنا مهزومين بعد76، ولكننا كنا نحلم بالانتصار.
ولكن لنسأل نفسنا الآن
ما هو الحلم الذي يجمعنا كوطن مصري صغير؟
ما هو الحلم الذي يجمع الوطن العربي؟(إذا كان أحدكم مازال يذكر هذا الاسم)
ما هو الحلم الذي يجمع الأمة الاسلامية؟(إذا كانت هذه التسمية لم تندرج تحت بند الإرهاب)


أعود لنقطة البداية وأكمل الحكاية الحقيقية.أن النسر المهيب لم يظل للأبد متعلقا بباقي الجسد الممزق للعلم وطار في يوم من الأيام.ولم يعلم أحد أو حتى يهتم لأين ذهب.


من ليلتها
كل ليلة احلم بنسر
كان مضلل أرض مصر
ف الكفن الابيض معشش
و بدماه متلطخة شاشة الكفن
و السواد ف القلب طارح ع القماش
و النهار لسه مجاش
من ليلتها
             
                                     أحمد الحضري

نهاية الجزء الثاني- والجزء الثالث والأخير غالبا غير منتظر


2 comments:

وليد خطاب said...

ايه يا عم اللي بتعمله ده؟
تسكت تسكت وتنزل بتلت أربع بوستات كل مرة.. نزل بوست بوست على فترات متقاربة عشان كل بوست ياخد حقه ف القراية
مستمتع جدا بالمدونة وشايفها مختلفة

فريدة... said...

الموضوع جيد
والجميل فيك يا باسم انك ما بتسكتش

وراصد ممتع