Friday 24 August 2007

القراءة مش للجميع

تفتح التلفاز. تجده هناك ممسكا بعدة صفحات ممزقة ينثرها على الراقصة بجواره وهو ينشد.

"الكتب.. الكتب.. الكتب>> الورق.. الورق.. الورق
قرير وبحب الكيميا وبموت في الفيزيا الخاصة
أما الأدب فده حياتي والفلسفة أمنياتي"

أهلا بكم
القراءة للجميع
عايز تعرف أكتر أتصل برقم16000 خط نجدة المثقف.

لأني – والحمد لله – لا أشاهد التلفاز للحفاظ على حالتي النفسية والبعد عن الهيستريا والاكتئاب، إلا إن الأمر لا يخلو من المرور عبر الصالة حيث أشاهد بعض ثوان، كفيلة بأن تقنعني بصواب رأيي.

آخر مرة عديت، خير اللهم أجعله خير، لقيت شوية شغل جرافيك لمنظر بركان وصوت واحد عمال يتكلم عن بركان معرفش إيه ويرص أرقام عن طول وعرض وعمر البركان>>> ثم عايز تعرف أكتر>> ما تقرا يا أخينا.

أهلا بكم
القراءة مش للجميع
الحمد لله وصلت لليقين إنك لو عايز تصرف الناس عن أي حاجة فخلي الإعلام بتاعنا يعمل لها دعاية، وهي هتفشل من نفسها. أما لو عايزها تفشل تماما فاديها لوزارة الثقافة وتبقى ضمنت الفشل الذريع.

خد موضوع القراءة كمثال. فيه كتاب قريته أسمه"أهمية أن نتثقف يا ناس" الكتاب عبارة عن تجميع لبعض مقالات "يوسف إدريس" عن الثقافة. اسم الكتاب جه من مقال كان كتبه وقوم عليه الدنيا وقتها بزعامة وزارة الثقافة، الأجمل إن تاريخ صدور الكتاب كانت عام84 يعني في التاريخ اللي معظم جيلنا أتولد فيه أو لسه ما كنش وعي على الدنيا، وكمان كان لسه النظام الحالي في أوله والناس مستبشرة خير.
أنا بعتبر الكتاب تأريخ ممتاز للحالة المصرية في الفترة المباركية السعيدة>> التي يمكن اختزالها في جملة بسيطة"محلك سر"
نفس المشاكل التي كان بيعانوا منها في أول التمانينات هي نفسها في نص التسعينات، والأغرب والمثير للدهشة إنها قريبة جدا من مشاكل نهاية العقد الأول في الألفين، يعني.. يخلق من الشبه أربعين.

طب والحل>>
بسيطة زي ما بنحل كل حاجة شوية تلميع. شوية دعاية فارغة، والناس تحس بالراحة.
حد فاكر فيكو "توشكى".. طب دي سهلة..
حد فاكر فيكو "مصر نمر إقتصادي على ضفاف النيل".. (معلش إذا كانت ذاكرتكو ضعيفة، بس الكلام ده حقيقي واتقال..)

أعتقد إن مشروع زي مكتبة الأسرة أثبت إن الناس بتقرا، بالرغم من كل الأعباء المادية والحياتية.
أعتقد إن حاجة زي معرض الكتاب أثبت إن الناس مستعدة إنها تدفع فلوس أكتر عشان كتب أحسن.

طب فين المشكلة الحقيقة>>
المشكلة إن شبكة مستمعي "سعد الصغير" ومشاهدي "دينا" عمرهم ما هيقروا حتى لو جبت لهم "الريس بيرة" بيتاقش مع "شفيقة" في "غياب دور المثقف وتأثيره في صد هجمة العولمة"

وبرضك الأخوة المثقفين – أعاذني الله وإياكم من شرورهم – مش هيستفيدو حاجة من الموضوع ده. لأنهم بيقروا طبيعي.

طب وإيه الحل>>
واحد زي "إبراهيم المعلم" صاحب دار الشروق- يعني بياكل عيش من بيع الكتب- حط إيده على المشكلة لما قال إن ما فيش أزمة قراء. المشكلة في الكتابة، وإن القراء رجعو لما لقو ناس بتتكلم عنهم.

هو بيتكلم عن طبقة الشباب المتعلم اللي ما بيقراش، لأنه كره القراية طول سنين التعليم اللي كان بيحفظ فيها بدون ما يفهم، بدون ما يحس حتى إن الكلام ده هيفيده في حياته العملية.
فطبعا بقى كل سنة بعد ما يخرج من الامتحان يحرق الكتب ابتهاجا بانزياح الهم من على كتفه>> مش هي دي الحقيقة.

فكل الموضوع إننا مش محتاجين النوع ده من الدعاية المباشرة اللي مش هتجيب تمنها. إحنا محتاجين نشر موجه.. الناس اللي الشباب بتقرالهم.. والشباب اللي بيكتبوا ومش عارفين ينشرو.. كل دول ليه مستبعدين؟

حتى الكتاب الكبار ليه مستبعدين من الإعلام؟. واحد زي "إبراهيم عبد المجيد" ماعتقدش إنه ظهر في التلفزيون قبل ما ياخد جايزة الدولة التقديرية. وحتى لما ظهر الكلام ده كان في سنة حصوله على الجايزة في برامج مؤسفة>> تخيل إنهم جايبنوه في برنامج مع مذيعة تعاني من حالة متأخرة من التخلف العقلي، مع ناقد كبير.. كبير قوي.. قوي قوي. عشان تسأله المذيعة سؤال بسيط.. بسيط قوي.. قوي قوي..
(وياترى أ/ إبراهيم خد الجايزة ليه؟)
قوم الراجل الجامد يتمطع في الكرسي وتظهر عليه علامات الإذبهلال وهو يقول
(لأن أ/ إبراهيم من أكبر كتاب القصة في مصر)
وسمعني سلام صعيدي شحط محط.. وزغردي يالاي مانتش غرمانة.. وعرفتها لوحدك يا ننوس.
ما علينا.. بعد كده حد فيكو سمع عن المشروع القومي للمسلسل العربي (لا أحد ينام في الأسكندرية)
مسمعتش؟ برضك أحسن عشان حرقة الدم.
كفاية علينا "مشوار امرآة" و مسلسل "فيفي عبده" اللي مش فاكر اسمه. بس المهم إنها تطلع فيه في دور ملائكي متفصل.. وزغردي يالاي مانتش غرمانة.

واحد زي "أحمد خالد توفيق" عمل مكانته بمجهود شخصي. واحد خلى الشباب تقرا عن ديستوفسكي وشكسبير ولافكرافت من غير ما يخافو من الأسماء دي، لازم هيطلع ناس من اللي قرو (عن) هيقرو(لـ). وكل الكلام ده في سلسة واحدة(فانتازيا)
ليه الشخص ده ما يطلعش في الإعلام الرسمي؟.. علما بإنه اسم مطلوب في الغير رسمي.. مش ده هيكون جاذب ألف مرة أكتر من شوية أرقام جافة عن بركان فيزوف أو انقراض الزواحف في القطب الشمالي، أو كوكب المريخ. علما برضك إنه من أكتر الناس اللي اشتغلت شغل علمي في سلاسه.

مثال تالت واحد زي "محمد المخزنجي" يمكن ما يكونش أفضل كاتب قصة قصيرة، بس لا يمكن تجاهله. بيكتب من يجي عشرين سنة والطبعات بتاعته بتصدر يا إما في وزارة الثقافة اللي محدش بيقراها يا في دور زي"سعاد الصباح" ربنا يرحمها برحمته، محدش عرفه إلا قريب جدا لما خد جايزة سويرس. واحد زي ده في قمة البساطة والعمق في آن. ليه ما يطلعش في الإعلام الرسمي؟>> هتنسى نفسك ده بيكتب في الدستـــــــــــــور.. دستور يا اسيادنا.

والإجابة>>
أعتقد إن السبب قاله "أحمد خالد"

"ما سر هذه النظرة التي تنظر بها أجهزة الأمن للمثقف والتي تدفعها لإهماله وتقديم قبو متداع يقدم فيه عروضه، ثم الشك فيه ومراقبته إلى درجة محاصرة عمله بالجنازير ورجال الأمن المركزي ؟
الإجابة هي أن الدولة تمقت المثقف وتشك فيه فعلاً .إنه كائن منكوش الشعرمتحذلق يلبس سروالاً من الجينز زمامه مفتوح، ويدخن كمحرقة الجثث، ويلبس نظارة سميكة تم لحامها بالنار، من وراء زجاجها ترى عينيه صغيرتين مستدقتين كعيني بقة .. إنه فقير كالأبالسة وثرثار ومزعج. إنه يقول كلامًا غريبًا لا يفهمه أحد، وقد تعلم رجال الأمن أن يشكوا في أي كلام غريب غامض منذ خمسين عامًا، تعلم رجال الأمن أن أي كلام لا يفهمونه هو أفكار شيوعية على الأرجح يقولها رجل شيوعي كافر وابن كلب غالبًا ..."
(أ/د أحمد خالد توفيق(عن محرقة المثقفين والمدرعة بوتمكين
))

فلابد إذا من التظاهر، ومزيد من التظاهر، بأنهم يهتمون، فعلا يهتمون، حقيقي يهتمون، بأن يقرأ الناس بينما الاهتمام الحقيقي على جودة ووضوح ونقاء وصفاء الصورة الموجودة على خلفية كل كتاب من كتب مكتبة الأسرة.

(على فكرة حدش شاف الموضوع ده في أي سلسلة من السلاسل القيمة اللي بتصدرها دول البترول، وبتوصل عندنا بأرخص من سعر التكلفة. اللي عندنا ناس اتخصصوا في شتيمتهم ووصف ثقافتهم بأنها ثقافة صحراوية.. هأو.. سلملي على الزارعي)



4 comments:

وليد خطاب said...

أنا كلي صدى صوت ليك يا معلم
متفق اتفاقا متفقا

محمد عادل said...

السلام عليكم
بعد التحية والتهنئة
تدوينة أكثر من رائعة
فقط لا أؤيد استخدام العامية في المواضيع الجادة لأنه يصبغها بصبغة هزلية
أهنئك مرة أخرى
تحياتي

fawest said...

صحيح دى مشكلة كتابة و إعلام
بص يا سيدى الثنين اللى فات ناقشوا مجموعة فصصية بعنوان بياع الفرح
اسناء صليحة
يا ذئب وحد اللة
القصص فيها يابى اى شاب حتى لو كان مغمور
ان يضع اسمة عليها
وكل النقاد فى ورشة الزيتون طاعوا بقصة انا فرخة من المجموعة السما
ودة علشان هى صحفية وبتكتب فى الاعلام
وحد الة يا ذئب
اليوم حضرت ندوة لمناقشة كاتب كويتى عمل حاجة كدة اسمها حديث التراللى
وطبعا بعد تمجيد الادب القادم من بلاد النفط علشان حضرتة صحفى واللى جيباة لاداعى لذكر اسمها صحفية برضو
العمل الذى اطلقوا علية لقب رواية لا يمت للقصة بصلة وتفضل منى لو قلت علية مقال
ولايسوى فى سوق الورق تلاتة تعريفة
وبعد كدة يسالوا الناس لية ما بتقراش
حاجة تجيب الضغط والقلب و العمى

باسم المليجي said...

وعليكم السلام يا عم محمد عادل
مش هاقول إنك سبقتني لأني كنت كتبت بوست بنتقد فيه لغة البوست ده، بس وأنا بفكر لقيت موضوع اللغة متصل اتصالا كليا وجزئيا بموضوع الهوية اللي ناوي أتكلم عليه في أهلاوي بالبطاقة الجزء الثالث فقلت أرجي الكلام حتى حينها. وفعلا أنا متضايق من لغة البوست ومتفق معاك
عزيزي فاوست
بلاش تحرق في دمك
الموضوع ده موجود في كل المجالات وزمان نجيب سرور كتب قصيدة طويلة، بدون ذكر أسماء، عشان اللي كان حصل له
المهم إننا نفكر في وسيلة للحل ومنفقدش الأمل، لأن فقدان الأمل معناه إننا سلمنا سلاحنا للعدو بدون قتال