Sunday 12 August 2007

مشينا بلد الأحزان

هل مر الوقت بهذه السرعة. كنا في بداية عام 2005 عندما تعرفت على كريم. لست في حاجة للإفاضة في وصف العلاقة، لكن مع انشغالي ببداية عملي في ذلك الوقت كانت علاقة متوسطة. بالتأكيد كنت معجب بكتابته ولكن كان رأيي أنها ينقصها العمق. كان مازال في بدايته، حيث كانت بدايته في 2004. في بداية هذا العام قدم قصص مثل "الجتيمة" و"وادي الجن" و"نسيت" كانت كلها تركز على التكنيك. استخدام تكنيكات كتابة جديدة ومتنوعة وكذلك الدخول بكتابته لمناطق الرعب والمناطق النفسية. ولكن كما قلت كان يعيبه عدم التعمق في الفكرة. وبسرعة شديدة كان لابد من التحول وأتت"جيم أوفر"، وهي في رأيي نقطة التحول في كتابة كريم. التكنيك في أعلى مستوياته مع وجود رؤية في العمل، صحيح أن الفكرة كان يمكن معالجتها بشكل أعمق كما قلت له، ولكن بسرعة أتت "الجثمان" وكانت بداية مرحلة جديدة في كتابته.
القصة نفسية تدور في جو اسطوري مقبض، النص نفسه ممتع،بمعنى أنك تدخل في الحالة التي أرادها الكاتب تماما، ولكن المشكلة هنا هي في عمق العمل. ذات مرة كتبت تعقيب طويل عن العمل وعن رموزه وصوره السينمائية، لدرجة أني وصفت أحد مشاهده كما أتخيلها لو صورته بكاميرا. وبعد ذلك العمل ذهب للمصيف في مرسى مطروح وقال لي قبلها"ها أكتب هناك المسوخ" "يا راجل حد يروح مرسى مطروح ويكتب قصة اسمها المسوخ حرام عليك" "أه صح المفروض الواحد يكتب حاجة دلع كده"
وقد كان. وأعتقد أن أي من المغامير يتذكر "المسوخ" إلى الآن.
المهم ما طولش عليكو قول طول. جه شهر رمضان، وفيه كان كريم في قمته. كان بيكتب "آخر أفلام الأكشن" وبرضك مافيش نغنور إلا وطلع في العمل ده وأتبهدل. وكتب "فول بالزيت الحار" و"تدعيات الماضي" بأجزائها التلاتة. وكان الجزء التالت اسمه "مشينا بلد الأحزان" وده العمل بتاع النهاردة.


3 ـــ مشينا بلد الأحزان :
ولكن هذا ما حدث ...تداعيات من الماضي الذي يأبه أن يستكين في رقاده... ومن حين لأخر يقوم بحركة مفاجئة دلالة علي ان جهازه العصبي ... مازال يعمل بكفاءة ...

( ويلي من الغربة يا با ويل...ويلي ويلي..ويل ويل...يابا ويل
مشينا كتير ...تعبنا كتير ....مشينا لوحدينا ....بعدنا)

هل هذه هي الذكري السادسة ؟...هل مر الوقت بهذه السرعة؟
ولكني لا أستطيع ...لا أستطيع تذكر ملامحه ....كيف كان يبدو ؟..كيف كان هو ؟
كيف لا أستطيع تذكر ملامحه ؟...قلبت كل صوره ..حتي التي في حافظتي ...وجلست أعتصر عقلي لرؤية ملامحه ...فبدأت الذكري تتسرب لعقلي ..
(عرفنا الخوف ..في عز النور ..وبقينا نخاف من حبايبنا)
(وهأتسميه أيه ؟..أيه رأيك في عبد الرحمن..أو محمد..أو نادر علي اسم الدكتور الفلسطيني اللي...)
لكن الاب يختار اسمًا أخر ..وللحظات يتذوقه بعقله قبل أن يستقر عليه .ويقول : بس هو هادي قوي كده ليه ؟ دا حتي صوت عياطه بأسمعه بالعافية ...انا خايف يكون تعبان.
خايف يكون تعبان ...
خايف يكون...
خايف .
(ضيعنا أحلي سنين..وأزاي هانقدر يوم نرجع).
كان أول مرة يروا أحتشاد الدمع في عينيه ...وكان أصابعه تذهب وتجيء لتؤد الدمع في عيناه ...كان طفله الأول بين الحياة والموت...وكان بنيانه الضعيف مستسلم للرحيل ..لا تبدو عليه أي مقاومة ... فمه المفتوح عيناه الزائغة ..برودة جسده ...خاف الأب أن يموت ولده .
خاف الأب أن يموت ...
خاف الأب أن ..
خاف الأب ...
خاف .
(دا أحنا يا دوب عايشين ...والدنيا دوامة بتخدع )
(يالا ..واحد ..أتنين ..تلاتة).
ثم يبدا الطفل في الغناء أمام المسجل بصوت غليظ :
في السكة في السكة .
في السكة شفت اتنين ماشين مع بعضهم,
ما تقلش رايحين فين سيبهم مع بعضهم
امشي بعيد عنهم في السكة خلي بالك منهم في السكة
في السكة فيه حلوين ماشيين بيتمخطروا...
يتعايقوا بالفساتين تملي يتمنظروا
بالابيض ..... والاحمر........ والاخضر ................ والاصفر
(ودلوقتي ...غني أعلان كيتو).
ويبدا الطفل في الغناء ...ثم يسمعوه ما تم تسجيله ..ومن ثم ياخذه الوالد
الي الشرفة ..ليراقبوا ...ليشاهدوا هذا الشارع...الكبير ..الواسع...الهاديء.......الخالي علي الدوام .....الخائف .
( بقي لنا سنين في نفس الليل ....والحزن مغير ملامحنا)
حول صاج الكعك ...أجتمع الجميع ...في مرح ...ودعابات ..ومزاح ..يمضي الوقت ..
(يا بني صغر شوية ....أنت هتعمل عيش؟!!!).
ربما تتضايق من الزحام في صالة الجدة الضيقة...لكن لا تقلق...ما هي الآ سنون تمضي ...حتي يخف الزحام......وتشتاق اليه .
أنظر الي المساحات البيضاء..الناتجة عن قلبي لجميع صوره...سأعتمد علي نفسي لأتذكر ملامحه ...أعتصر عقلي أكثر وأكثر فتتسرب الذكريات كالزئبق...أغمض عيناي فربما تظهر صورته في ظلام الأغماض ....ولكن لا فائدة....أتنهد تنهيدة حارة تذيب ثلوج النسيان ولكن ...مازلت لا أري ملامحه.
(بنبكي مرار بحرقة ونار....والدمع بينزل يجرحنا)
(حبة فول أنما أيه.....وبقولك لو خلص الفول انا موش مسئول)...وأكل الجميع ألذ طبق فول أعده الوالد ...لماذا يتحتم علي العشاء الأخير...أن يكون بهذه الروعة...هل هي قاعدة؟! أم انها فقط لتصيبك بالحسرة الخانقة فيما بعد ؟
(متجيش ورايا ..وأنا رايح اجيب النتيجة )..يقولها الطفل الذي صار في المرحلة الثانوية الأن ولكنه لا يزال طفله الأول.
(خلاص...أتكل علي الله ) والابتسامة تتراقص علي شفتيه .
(تؤ ...بقولك ايه...موش عايز أحراج..كل صحابي أكيد هيروحوا لوحدهم.)
(طيب...طيب...أتكل علي الله عشان ماتتخرشي.)
يقول الطفل قبل أن يغلق الباب: أوعي تيجي ورايا.
في المدرسة...وسط الزحام الرهيب من الطلبة وآبائهم ...يتمني الطفل لو كان والده معه حتي ....
(أيه يا كابتن ماجد؟ عملت أيه؟) كانت هذه من الوالد الذي ظهر بعد ابتسامته التي لم يفسد بريقها التدخين الكثير.
ثواني تملكت الدهشة فيها الطفل قبل أن يقول : خد رقم الجلوس ..وأتصرف انت.
وفي العودة لم يستطع الطفل أن يلوم الوالد علي أنه أتي...ولكن وحتي الأن..وحتي بعد سنين كثيرة ...لا يصدق أنه في اللحظة التي تمني فيها ..أن يكون بجواره...وجد نفسه في أحضانه .
(مبروك ) يقولها الوالد .
(علي أيه يا عم ...دي لما ماما تعرف المجموع ..حتـ..حتزعل.)
(يا عمي ... ولا يهمك ...عشان بعد كده تسيبها علي الله ..وتبطل الحسابات الكتير).
(تعال ..نشرب حاجة ساقعة...يا عم الناجح)...ما زال هو .
بأصرار:(لالالا ..تعال نشرب عصير قصب)...كانت من الطفل الذي يتسائل حتي الأن ....ماذا لو كان يعرف أنها المرة الأخيرة ؟
( بقي لنا سنين في نفس الليل ....والحزن مغير ملامحنا
بنبكي مرار بحرقة ونار....والدمع بينزل يجرحنا)
أنظر لوجهي في المرآة ..عسي أن أستطيع أن اري ملامحه ...يطل علي وجه كئيب حزين...وجهي .
الأن تنتهي اللعبة؟!
الأن ينتهي المزاح ؟!
أهذه اللحظة ؟ التي سيقفز فيها من رقاده ...ليعلن أنتهاء المزاح علي ثقله....ولكن هذا ما لايحدث .
من الصعب أن تصدق أن الوجه الباسم ..أصبح لا يضخ حياة لمن حوله.
من السهل تصور وجه ثقيلي الظل ..وهم موتي ...ولكن هذا الوجه ..الذي تموج من تحته بحر رمال ضاحكة...تنغرز فيها ...و لاتتمني أن تخرج منها..
هل ما زلت لا تصدق؟
أن وجبة الأفطار ..كانت الأخيرة .
أن وجبة الغداء ..لن تتناولها معه ثانية ؟....اهي النهاية ؟...وكيف ؟
الآ توجد فرصة أخري...لو ثواني قليلة .
خرجت الأنفاس من الصدر...ولن تعود....أبداً
الأن فقط عرفت سبب هذه العين الحزينة المرهقة...والتي مهما أحاطتها سحب الأبتسام والضحك...لم تنفرج أساريرها ...هل كان (أبن موت) كما يقولون .
(ضيعنا أحلي سنين..وأزاي هانقدر يوم نرجع دا أحنا يا دوب عايشين ...والدنيا دوامة بتخدع)
أحاول تذكر ملامحه ...فلا أتذكر....كدت أضعف وأقلب الصور لأرها...أم أعتمد علي نفسي؟...وذاكرتي ؟....ضعفت وقلبت الصور...ولكن وياالدهشة...لا توجد سوي مساحة بيضاء أخري .
خنقني اليأس...فأندفعت للحياة ....وظللت لا أتذكره...لا أراه...كئيب..حانق..مختنق ...
ألتمعت عيناي ببريق التحدي (أياه)...عندما برقت ملامحه أمامي ...في أبتسامة ...وضحكة...من أحدهم ...بسببي .
((ضيعنا أحلي سنين..وأزاي هانقدر يوم نرجع دا أحنا يا دوب عايشين ...والدنيا دوامة بتخدع))
كريم فراج
 29/10/2005





لن أنقد هذا العمل. هذا هو قراري، بالرغم من إني نقدته كتابة من قبل. فقط سأذكر قصتي معه.
في ذلك الوقت كنت أسكن في 6أكتوبر. بعيدا عن منزلي الذي قضيت به عمري. كنت أحس بالغربة. وفي أحد الأيام دعانا قريب لنا لمنزله، بالرغم من معرفتي القديمة به إلا إنها كانت المرة الأولى لرؤيتي لمنزله. المنزل هو أحد المنزل العائلية بمعنى أن المبنى كله خاص بعائلة واحدة، وكل أسرة تحصل على شقة أو دور. أتذكر الحائط بجوار الباب الذي توقف عند المحارة ولن يكتمل دهانه أبدا، وذلك الخط الطفولي بالطباشير الذي كتب به أولاده أسمائهم عليه (علا – ندي - علي)من أعلى لأسفل. ثم غرفة الضيوف التقليدية جدا بذلك النيش الذي أكره فكرته، والنجفة والسجاد الثقيل وصورة الزفاف التي تتصدر الغرفة، باختصار غرفة ضيوف تقليدية تماما من النوع الذي أكرهه تماما، ولكن في ذلك الموقف كان الأمر يختلف. أحسست بهذا الحنين الوغد لتلك الأيام. أيام طفولتي. حتى في ذلك الوقت كانت شقتنا الصلية تغيرت وبفضلي كانت كثير من هذه المفردات قد تخلصنا منها للأبد.
لن أتكلم عن الجلسة التي كنت سأمل منها في أي وقت آخر من العزومة في كل لحظة لأكل المزيد، وكأنني لم أكن صائما. ثم الحديث عن الطرق الصوفية بعد أن لاحظت صورة أحدهم، ولكن ما أفجعني تماما هو اندفاع البنت الصغرى ومقاطعتها لجلستنا والقائها نفسها في حضن أمها بمنتهى البساطة. وقتها كنت متوقف تقريبا عن الكتابة، فكرت في تلك اللحظة: كيف يمكنني أن أنقل كل تلك المشاعر. كل ذلك الدفء، وإن استطعت نقله، كيف يمكنني أن أنقل احساسي بتلك اللحظة.
فكرت أن نقل الإحساس بالكتابة مستحيل، لكن بعد ذلك بوقت قصير وفي شهر رمضان قرأت هذا النص.. ورجعت للكتابة ثانية.




5 comments:

Doaa Ebrahim Aaql said...
This comment has been removed by the author.
Doaa Ebrahim Aaql said...
This comment has been removed by the author.
Doaa Ebrahim Aaql said...

شوف يا استاذ باسم باشا
إنت هتدخل على الموقع الآتى
http://boomp3.com/
وهتلاقى على الشمال كده
upload
هترفع الأغنيه اللى انت عاوزها
وبعدين تشوف الكود بتاعها وتنقله عندك فى المدونه
وتسمع على كيف كيفك

أى خدمه يا استاذ باسم انت بس تأمر

سلامى ليك

دعاء

عين ضيقة said...

احساسه العالى سيقتله

احساسه فى القصة رهيب وتداخل الاغنية مع العمل موفق جدا

العمل بعيد عن النقد الاكاديمى ممتع جدا
واعتقد ان ده كفاية على الاديب انه يوصلنى للمتعة

ومبروك رجوعك للكتابة

تحياتى

Sara Ali said...

بصراحه يا كريم جميله جدا ومؤثره اوى اسلوبك فيها حلو جدا كمان الاحساس فيها عالى جدا وكمان الاغنية مزوده فيها الاحساس اوى حلوه جدا