Saturday 13 October 2007

كل عام وأنتم بخير




مـــصــر طالبة الطلاق


< عن وقائع حقيقية نتعمد نسيانها>
يقول لها في دهشة: أنتي نسيتي اللي حصل يوم 20فبراير 2002 ؟! ..غريبة بالرغم من انك عيطتي كتير ساعتها .
*****

10 يناير أحد المستشفيات الحكومية
تدخل الصحفية (نهال) غرفة (سليمان عاشور سلميان) في المستشفى .تجلس بجواره حتى تنتهي الممرضة من تغيير الأربطة المحيطة بمكان بتر ساقه .ثم تقول له : أزايك يا عم سلميان ؟ انا نهال شفيع . الصحفية اللي قالوا لك أنها عايزة تعمل حوار معاك .
يجاوبها (سليمان عاشور سليمان ) وهو يحاول الجلوس في سريره: حوار عن اللي حصل ؟
تقترب بمقعدها منه وتقول: ايوة يا عم سليمان .اللي حصل ليلة 4 يناير 2002.
يشرد بعينه وهو يقول: كان ليلة برد زي التلج..كانت.. تعرفي يا بنتي؟ انا مرتبي من سنين طويلة مية جنيه .
******
يقول المثل الصعيدي " اللي مايشبعش من لحمة العيد ..يفضل طول السنة جعان"
*****
الثلاثاء19 فبراير محطة مصر ليلاً الساعة 11:30
مع بدء تحرك القطار رقم (832) المتجه من القاهرة إلى أسوان .تدافع الجميع ليلحقوا ما تبقى من مليمترات فيه.المسافات البينية من كتل اللحم المتلاصقة تستخدم بكل الطرق . استعوض الناس ورق الكارتون والبطاطين بالنوافذ المحطمة لإتقاء الزمهرير الذي يصبه عليهم ليل يناير . والأبواب الفاصلة تحتاج إلى مقدرة غير عادية لفتحها . وفي حالة فتحها يفضل إغلاقها ثانية للهرب من (البلطجية) الذي يسيطرون على هذه المساحات الفاصلة . .الرحلة تستغرق 16 ساعة . القطار يتكون 14 عربة للركاب ,منها تسع عربات للدرجة الثالثة وخمس لركاب الدرجة الثانية ,بالإضافة إلى عربتين للعفش والقاطرة والجرار.كل عربة بها مقاعد تكفي 96 شخصا .وبسبب أنه اليوم السابق لعشية عيد الأضحى. فقد اتسعت المقاعد الثنائية لتكفي لثلاثة أو أربع أفراد.... اي إنه بحسبة بسيطة ..كان بالقطار عدد كبير من
الجوعى .
*********
تسجل ( نهال) في دفترها: سليمان عاشور سليمان .دائما ما كان يردد اسمه الثلاثي هذا.... لأنه لا يملك سواه .
******
" بس قبل ما أحكي لك...عايز اقولك اني دي مش اول حادثة تحصل في السيرك". يقولها ( سليمان عاشور سليمان) . وهو يقرب جهاز التسجيل من فمه.
فتسأله (نهال) :انا تقريبا سمعت عن حوادث كتير .
ـــ انا اكتر حادثة فاكرها كانت يوم 12 أكتوبر72 .فاكر اليوم بالظبط كأنه محفور في دماغي. المهم. الأسد سلطان هجم ساعته على محمد الحلو الله يرحمه. واللي خلاني فاكر برضه .أني كان في كاتب موجود وكتب عن اللي حصل.اسمه تقريبا (نجيب أدريس) أو ( يوسف الحكيم) حاجة زي كدة.
تضحك (نهال) وتقول: يعني أفتكرت اليوم والسنة ونسيت اسم الكاتب. كان اسمه (يوسف أدريس ) وكتب مقال اسمه (أنا سلطان قانون الوجود) .
ــ ممكن .
= انا اسمع أني عندكم في السيرك حوالي 25 اسد ونمر .فلما مش بتكفوهم لحم جاموس وبقر بتدبحوا حمير.
ــ أيوة فعلا .
= وأعرف ..تقريبا يعني..اني لحم الحمير به نسبة سكر .فلحمه بيكون أقرب للي لحم البني آدم. ومن كتر ما الأسد أو النمر يكله بيشتهي لحم الأنسان.
ــ يمكن هو ده السبب اللي خلى النمر (محسن ) يمد أيده من بين القضبان ويهبش رجلي. ويضطرو يبتروها زي ما انتي شايفة .
*******
20 فبراير الساعة الواحدة والربع ومن العربة رقم 11 . بدات النار الجائعة في إلتهام عربات القطار .شاكرة هيكله الحديدي الذي سجن من بين ضلوعه كل هذا اللحم .لا تفرق ما بين كبير وصغير .. ولا تلتفت إلى هؤلاء الذين يقفزون من العربات.. ليتهشموا على الطريق .أو يغرقوا في (ترعة الإبراهيمية ) .. بالرغم من كثرة العدد ولكنها لا تستغل حرية الإختيار . وتحاول أن تضيف التفحم كصفة مشتركة غير الجوع بين راكبي القطار.
وبعد 18 كم وعند منحنى ابو عمار رأى مساعد السائق الحريق.وبدأت رحلة إطفاء النيران .وكبى الجميع عندما شاهد منظر الأب والأبن المتفحمين .والأب يحاول تمرير طفله من بين القضبان .الصورة الذي كانت ستهز العالم بعد ذلك.لو سمح بنشرها .
من معلومات الحادث: التعرف على 195 جثة. وتثبيت رقم الضحايا عند الرقم (375) بقرار جازم وصارم .
ولكن المعلومة المؤكدة : أن الجوعى لن يشبعوا هذا العام ايضا
.

**********
تنتظر (نهال) حتى ينصرف آخر من حضروا للإطمنان على عم (سليمان عاشور سليمان) .قبل ان تبتسم وتقول: طيبين أوي المصريين دول.بعد أذنك بقى عشان ألحق أودي المقال .
يستوقفها ويقول: بصي يا بنتي أنا هاقولك على الحقيقة .مش عارف استريحت لك ليه؟ ..بس دي بيني وبينك .
تعاود الجلوس وتسأل : إتفقنا .
ينظر إلى السقف في حزن وهو يقول: اللي حصل ليلتها. أني كنت جعان أوي .أكتر من اي ليلة عديت عليا. أنتي عارفة أني البرد بيجوع.وجوع السنين بيذل...المهم..بعد ما وزعت لحمة الحمير على السود والنمور. قلت لنفسي أني مفيش مشكلة لو خدت حتة لحمة صغيرة كلتها.
تقاطعه في دهشة: لحمة حمير؟!! تاكل لحمة حمير ؟؟؟1!!!!
تعبر دمعة حواجز عيناه وهو يقول: انا يا بنتي لو جربت طعم الشبع مرة.كنت قرفت أني أكل لحمة حمير.
تمط شفتيها في اسى وتقول: أنا اسفة..كمل.
يهز كتفيه ويكمل: ولا حاجة ..حاولت اخد حتة لحمة ..قام محسن هجم عليا وعورني زي ما أنتي عرفتي... بس أنا اضطريت أقول انه هو اللي هبش رجلي من بين القضبان.. عشان ما يطردونيش من السيرك..اللي انا اصلا مش عارف إذا كان هيرضوا يشغلوني وأنا في حالتي دي ولا لأ.
تتجه للباب لتنصرف .وثم تستدير وتسأله: تشتغل تاني في السيرك؟ أنت مش خايف؟ طب هتتعامل ازاي مع النمر محسن مثلا؟انت مكرهتش الحيوانات؟
يبتسم في أسى ويقول: يا بنتي ..ماهو برضه كان جعان.

كريم فراج
31/1/2007






8 comments:

محمد عادل said...
This comment has been removed by the author.
محمد عادل said...

يعشق كريم دائما استخدام هذه التقنية
حيث نجد في القصة الواحدة حدثين - أو اكثر- يحدثان على التوازي
في هذه القصة يقارن الكاتب بين حادث القطار البشع ، وبين حدث أخر أقل منه شهرة وتأثير والجامع بينهما هو الفقر أو الجوع على حد تعبير الكاتب

كان يتكلم عن حادث القطار بأسلوب تقريري جاف أشبه بكلام الجرائد (حاشرا) بعض الجمل الحراقةعلى غرار

" شاكرة هيكله الحديدي الذي سجن من بين ضلوعه كل هذا اللحم"ـ

"وتحاول أن تضيف التفحم كصفة مشتركة غير الجوع بين راكبي القطار"ـ

هذا الأسلوب أشعرني بقشعريرة وكأن هذا الحادث رغم بشاعته تحول لمجرد خبر في جريدة!!ـ
كعادة كتاب القصة القصيرة ، هناك الكثير من المبالغة بلغت حد أن جعل الرجل الفقير يقبل على أكل لحم الحمير بدون قرف
كان العنوان موحيا جدا ، صادما جدا ، يعبر بشدة عن حالة الغليان التي تشعر بها البلد
ولكنه - العنوان- أضفى شكلا محليا على القصة ، التي تحكي عن الجوع والفقر وهو - أي الفقر- مشكلة عالمية
بالإضافة إلى أن علاقته بالقصة لم تكن يعني (قد كده)ـ
التقييم العام 8/10
شكرا كريم وشكرا باسم
دمتما بخير

لا انتمى لهذا العالم said...

شكرا على وجع الدماغ ده و اكيد سايب الشغل و قاعد تكتب يا باسم

fawest said...

دة كريم
من قصتين سمعتهم منة
وهة بيحب يحط الدم
مش فاكر قصتة عن حرب اليمن
بس كفن قصصى هو ممتاز
بس موضوعاتة
التأريخ دايما فيها عالى
فاكر قصتة عن الرهبان و محاكم التفتيش
اللى كان فيها الاسامى مكلكعة
بس حرام علية و علينا
أنة علطول يمشى فى الطابع دة


شكرا على تحليل محمد عادل الوافى

باسم المليجي said...

آسف للتأخير
عزيزي محمد عادل
شكرا على التعليق، ولكن لا أعتقد أن موضوع لحم الحمير به مبالغة كبيرة، إلا إذا كنت تعتقد أن المرتب الذي كان يتحصل عليه الرجل-وهي قصة حقيقة- ليست مبالغة كبيرة، على العموم الواقع غالبا ما يكون أغرب من الخيال

باسم المليجي said...

عزيزي الذي لا ينتمي لهذا العالم
أنا أيضا أنتمي لعالم تاني بس مش بتاعك، لأني ساكن فيه لوحدي ومش ناوي أدخل حد تاني فيه
بالنسبة لوجع الدماغ
لا شكر على واجب
بالنسبة لسيبان الشغل، طب ما أنت أكيد سبت الشغل وقعدت تقرا وتعلق!!قوم ذاكر ياد ولا شوف لك حاجة تنفعك بدل العيال الصيع اللي بتقرا لهم

باسم المليجي said...

فاوست
طبعا مش هتقدر تحكم على حد من قصتين
استنى الباقي
مش هتقدر تغمض عينك، عشان البروفايل بتاعك كده

Sara Ali said...

انت حكيت كذا مره عن مصر طلبه الطلاق بس انا مكنتش عارفه انها حلوه كدا كاسلوب كتابه حلوى اوى انك تكتب عن موضوعين مختلفين بس بيتكلمو عن حاجه واحده او مشين فى اتجاه واحد و على العموم حلوه اوى القصه وبتوجع اوى بس اكيد فى حاجات كتير بتحصل بتوجع اكتر من كده .. بس و بالرغم من كده لازم يكون عندنا امل ان اكيد بكره هيكون احسن حتى لو كان مجرد امل ممكن مايوصلش انو يكون حقيقه يس المهم يكون موجود علشان نقدر نعيش