Friday, 24 August 2007

القراءة مش للجميع

تفتح التلفاز. تجده هناك ممسكا بعدة صفحات ممزقة ينثرها على الراقصة بجواره وهو ينشد.

"الكتب.. الكتب.. الكتب>> الورق.. الورق.. الورق
قرير وبحب الكيميا وبموت في الفيزيا الخاصة
أما الأدب فده حياتي والفلسفة أمنياتي"

أهلا بكم
القراءة للجميع
عايز تعرف أكتر أتصل برقم16000 خط نجدة المثقف.

لأني – والحمد لله – لا أشاهد التلفاز للحفاظ على حالتي النفسية والبعد عن الهيستريا والاكتئاب، إلا إن الأمر لا يخلو من المرور عبر الصالة حيث أشاهد بعض ثوان، كفيلة بأن تقنعني بصواب رأيي.

آخر مرة عديت، خير اللهم أجعله خير، لقيت شوية شغل جرافيك لمنظر بركان وصوت واحد عمال يتكلم عن بركان معرفش إيه ويرص أرقام عن طول وعرض وعمر البركان>>> ثم عايز تعرف أكتر>> ما تقرا يا أخينا.

أهلا بكم
القراءة مش للجميع
الحمد لله وصلت لليقين إنك لو عايز تصرف الناس عن أي حاجة فخلي الإعلام بتاعنا يعمل لها دعاية، وهي هتفشل من نفسها. أما لو عايزها تفشل تماما فاديها لوزارة الثقافة وتبقى ضمنت الفشل الذريع.

خد موضوع القراءة كمثال. فيه كتاب قريته أسمه"أهمية أن نتثقف يا ناس" الكتاب عبارة عن تجميع لبعض مقالات "يوسف إدريس" عن الثقافة. اسم الكتاب جه من مقال كان كتبه وقوم عليه الدنيا وقتها بزعامة وزارة الثقافة، الأجمل إن تاريخ صدور الكتاب كانت عام84 يعني في التاريخ اللي معظم جيلنا أتولد فيه أو لسه ما كنش وعي على الدنيا، وكمان كان لسه النظام الحالي في أوله والناس مستبشرة خير.
أنا بعتبر الكتاب تأريخ ممتاز للحالة المصرية في الفترة المباركية السعيدة>> التي يمكن اختزالها في جملة بسيطة"محلك سر"
نفس المشاكل التي كان بيعانوا منها في أول التمانينات هي نفسها في نص التسعينات، والأغرب والمثير للدهشة إنها قريبة جدا من مشاكل نهاية العقد الأول في الألفين، يعني.. يخلق من الشبه أربعين.

طب والحل>>
بسيطة زي ما بنحل كل حاجة شوية تلميع. شوية دعاية فارغة، والناس تحس بالراحة.
حد فاكر فيكو "توشكى".. طب دي سهلة..
حد فاكر فيكو "مصر نمر إقتصادي على ضفاف النيل".. (معلش إذا كانت ذاكرتكو ضعيفة، بس الكلام ده حقيقي واتقال..)

أعتقد إن مشروع زي مكتبة الأسرة أثبت إن الناس بتقرا، بالرغم من كل الأعباء المادية والحياتية.
أعتقد إن حاجة زي معرض الكتاب أثبت إن الناس مستعدة إنها تدفع فلوس أكتر عشان كتب أحسن.

طب فين المشكلة الحقيقة>>
المشكلة إن شبكة مستمعي "سعد الصغير" ومشاهدي "دينا" عمرهم ما هيقروا حتى لو جبت لهم "الريس بيرة" بيتاقش مع "شفيقة" في "غياب دور المثقف وتأثيره في صد هجمة العولمة"

وبرضك الأخوة المثقفين – أعاذني الله وإياكم من شرورهم – مش هيستفيدو حاجة من الموضوع ده. لأنهم بيقروا طبيعي.

طب وإيه الحل>>
واحد زي "إبراهيم المعلم" صاحب دار الشروق- يعني بياكل عيش من بيع الكتب- حط إيده على المشكلة لما قال إن ما فيش أزمة قراء. المشكلة في الكتابة، وإن القراء رجعو لما لقو ناس بتتكلم عنهم.

هو بيتكلم عن طبقة الشباب المتعلم اللي ما بيقراش، لأنه كره القراية طول سنين التعليم اللي كان بيحفظ فيها بدون ما يفهم، بدون ما يحس حتى إن الكلام ده هيفيده في حياته العملية.
فطبعا بقى كل سنة بعد ما يخرج من الامتحان يحرق الكتب ابتهاجا بانزياح الهم من على كتفه>> مش هي دي الحقيقة.

فكل الموضوع إننا مش محتاجين النوع ده من الدعاية المباشرة اللي مش هتجيب تمنها. إحنا محتاجين نشر موجه.. الناس اللي الشباب بتقرالهم.. والشباب اللي بيكتبوا ومش عارفين ينشرو.. كل دول ليه مستبعدين؟

حتى الكتاب الكبار ليه مستبعدين من الإعلام؟. واحد زي "إبراهيم عبد المجيد" ماعتقدش إنه ظهر في التلفزيون قبل ما ياخد جايزة الدولة التقديرية. وحتى لما ظهر الكلام ده كان في سنة حصوله على الجايزة في برامج مؤسفة>> تخيل إنهم جايبنوه في برنامج مع مذيعة تعاني من حالة متأخرة من التخلف العقلي، مع ناقد كبير.. كبير قوي.. قوي قوي. عشان تسأله المذيعة سؤال بسيط.. بسيط قوي.. قوي قوي..
(وياترى أ/ إبراهيم خد الجايزة ليه؟)
قوم الراجل الجامد يتمطع في الكرسي وتظهر عليه علامات الإذبهلال وهو يقول
(لأن أ/ إبراهيم من أكبر كتاب القصة في مصر)
وسمعني سلام صعيدي شحط محط.. وزغردي يالاي مانتش غرمانة.. وعرفتها لوحدك يا ننوس.
ما علينا.. بعد كده حد فيكو سمع عن المشروع القومي للمسلسل العربي (لا أحد ينام في الأسكندرية)
مسمعتش؟ برضك أحسن عشان حرقة الدم.
كفاية علينا "مشوار امرآة" و مسلسل "فيفي عبده" اللي مش فاكر اسمه. بس المهم إنها تطلع فيه في دور ملائكي متفصل.. وزغردي يالاي مانتش غرمانة.

واحد زي "أحمد خالد توفيق" عمل مكانته بمجهود شخصي. واحد خلى الشباب تقرا عن ديستوفسكي وشكسبير ولافكرافت من غير ما يخافو من الأسماء دي، لازم هيطلع ناس من اللي قرو (عن) هيقرو(لـ). وكل الكلام ده في سلسة واحدة(فانتازيا)
ليه الشخص ده ما يطلعش في الإعلام الرسمي؟.. علما بإنه اسم مطلوب في الغير رسمي.. مش ده هيكون جاذب ألف مرة أكتر من شوية أرقام جافة عن بركان فيزوف أو انقراض الزواحف في القطب الشمالي، أو كوكب المريخ. علما برضك إنه من أكتر الناس اللي اشتغلت شغل علمي في سلاسه.

مثال تالت واحد زي "محمد المخزنجي" يمكن ما يكونش أفضل كاتب قصة قصيرة، بس لا يمكن تجاهله. بيكتب من يجي عشرين سنة والطبعات بتاعته بتصدر يا إما في وزارة الثقافة اللي محدش بيقراها يا في دور زي"سعاد الصباح" ربنا يرحمها برحمته، محدش عرفه إلا قريب جدا لما خد جايزة سويرس. واحد زي ده في قمة البساطة والعمق في آن. ليه ما يطلعش في الإعلام الرسمي؟>> هتنسى نفسك ده بيكتب في الدستـــــــــــــور.. دستور يا اسيادنا.

والإجابة>>
أعتقد إن السبب قاله "أحمد خالد"

"ما سر هذه النظرة التي تنظر بها أجهزة الأمن للمثقف والتي تدفعها لإهماله وتقديم قبو متداع يقدم فيه عروضه، ثم الشك فيه ومراقبته إلى درجة محاصرة عمله بالجنازير ورجال الأمن المركزي ؟
الإجابة هي أن الدولة تمقت المثقف وتشك فيه فعلاً .إنه كائن منكوش الشعرمتحذلق يلبس سروالاً من الجينز زمامه مفتوح، ويدخن كمحرقة الجثث، ويلبس نظارة سميكة تم لحامها بالنار، من وراء زجاجها ترى عينيه صغيرتين مستدقتين كعيني بقة .. إنه فقير كالأبالسة وثرثار ومزعج. إنه يقول كلامًا غريبًا لا يفهمه أحد، وقد تعلم رجال الأمن أن يشكوا في أي كلام غريب غامض منذ خمسين عامًا، تعلم رجال الأمن أن أي كلام لا يفهمونه هو أفكار شيوعية على الأرجح يقولها رجل شيوعي كافر وابن كلب غالبًا ..."
(أ/د أحمد خالد توفيق(عن محرقة المثقفين والمدرعة بوتمكين
))

فلابد إذا من التظاهر، ومزيد من التظاهر، بأنهم يهتمون، فعلا يهتمون، حقيقي يهتمون، بأن يقرأ الناس بينما الاهتمام الحقيقي على جودة ووضوح ونقاء وصفاء الصورة الموجودة على خلفية كل كتاب من كتب مكتبة الأسرة.

(على فكرة حدش شاف الموضوع ده في أي سلسلة من السلاسل القيمة اللي بتصدرها دول البترول، وبتوصل عندنا بأرخص من سعر التكلفة. اللي عندنا ناس اتخصصوا في شتيمتهم ووصف ثقافتهم بأنها ثقافة صحراوية.. هأو.. سلملي على الزارعي)



Sunday, 19 August 2007

خلايا رمادية 3




لكي تكتمل الدائرة فلابد أن يأتي وليد وقصته التي كتبها عن نفسه.
أبدأ بنبذة عن علاقتي بوليد، كما قلت فقد قابلته في 2006 حيث شكل لي منبعا للحقد. أتذكر كتابته الأولى "بطلت" و"المكونات أوراق نقدية" ذلك الجو النفسي الذي يشدك للعمل. ذلك التركيب البنائي المحكم. ثم وصل إعجابي لقمته مع "نعم كل الوقت" لأنني استخدمت نفس التكنيك، ولكن أبدا لم أصل لتلك الروعة. وعلى خلاف العادة صرنا أصدقاء، وعلى خلاف العادة صار ذلك الحقد – الإعجاب منبعا للتنافس الشريف ومحاولة للإجادة.
لا أريد أن أدخل في التفاصيل الآن. أدعكم مع العمل




(1)
يتسلل الوعي إلى عقلي فأتأفف..أتكاسل عن فتح العينين فتحاصرني سواد
الذكريات .. أتململ ، أصرف ذهني إلى النوم فيتسلل من جفوني كعادته الدائمة ، أدع عيني تعترف بموت يومي السابق ، وأستقبل ضوء يوم آخر كئيب يكوي الضوء جفوني فأتحمل عله يزيل بعض الجروح ، أنتزع لفافة تبغ وأشعلها ، أتمسك بالدخان بعض الوقت ثم أطرده من صدري يداعبني الأمل في أن يحمل معه بعض الوعي فأعود إلى النوم، أنظر إلى بعض الشعيرات المتفرقة على صدري فأبتسم لتحايل مضي عليه أربعة أعوام كل صباح ، أملأ عيني بالقلادة على صدري.. أتمثل دائريتها المبتورة.. أقبض عليها ..أحاول أن أنزعها.. أقذف بها بعيدا.. أطؤها بقدمي ..ولكني أعلم أني لن أفعل فأحتويها بكفي مدفوع بحنان العجز.. فأكرهها.
(2)
باسما يفتح عينيه ، ينهض عن الفراش بخفة جسد لم يبلى ، يطل من النافذة ليملأ عينية بضياء يوم جديد ، بنظرته يعود إلى الفراش فيفتقد جدته ، يخرج إلى الفناء ليجدها وقد جلست على الأرض وسط الدجاج ، فيعلم أنها قد انتهت من إطعامهم للتو، يطارد أثناء اتجاهه إليها دجاجة شاردة عن صويحباتها ، فتنهاه جدته برفق باسم ، يكمل خطواته إليها في خفة ، ليرتمي على حجرها فتلقاه بيديها تحمل بها بعض ثقل جسده الصغير الذي لم يعد جسدها الهرم يتحمل وطأته يتجه بعينيه إلى السماء ، تؤذيهما الضياء فيغلقهما ، تتأمل ملامح وجهه ، شفتيه وأنفه وحاجبيه اللواتي حملهن عن أمه ابنتها ، تتململ فينظر إليها في سرعة: إلى أين ؟


تبتسم لذكاء صغيرها وتتمتم بصوتها الدافئ:
إلى الحقل-
سآتي معك -
ستلتزم الهدوء ؟-
نعم-
لن تطارد أبا قردان ؟-
نعم-
لن تطأ البرسيم ؟-
نعم .. نعم .. نعم -
يقولها في ضجر ، فتبتسم لعلمها بأنه لن يلتزم بأي مما وعد تنزله برفق من على العربة الخشبية ، يجيل بصره في الأخضر اللانهائي الذي يعشقه ثم يتوقف بنظراته عند أشجار الجوافة الممتدة على حافة الترعة ، فلا يفوتها مغزى نظراته ، لطالما تعجبت لصغيرها لم لا يطلب كعادة الأطفال فيما يطاق وما لا يطاق ، تتجه دون أن تسأله إلى احدي الشجيرات فتهزها بعض الوقت حتى تتساقط بعض حبات الجوافة ، فيندفع في خفة يلتقطها قبل أن تتدحرج إلى الترعة ، يجلس تحت الشجيرة وكأنه سيلتزم بوعد الهدوء ، فتنصرف هي لأعمالها باسمة لخبثه الطفولي.. تعود بعد قليل وقد تعلقت بيدها دمية بلاستيكية خضراء ، تراكم عليها الطين والتراب وتمزقت إحدى ساقيها ، تنظفها بالمياه في اعتناء ، مجيلة البصر حولها تبحث عنه فتجده وقد انهمك في مطاردة أبا قردان وسط البرسيم ، فتبتسم لمخالفته ما اتفقا عليه تناديه فيأتي في سرعة ، تضع الدمية في يده في صمت فيتأملها في صمت لا تظهر على وجهه ملامح الفرحة كعادة الأطفال ، فلا تتعجب فهي تعلم أن صغيرها ليس كبقية الصغار سويعات قليلة وتعود إليه ، فتجده وقد نام في ظل الشجرة ، تتشبث كفه الصغيرة بدميته الخضراء.
(3)
أنهي في سرعة طقوس التطهر من أدران الليلة الماضية، أمام المرآة أتأمل وجهي الشاحب ، أتحسس لحيتي النابتة ، ذبول العينين، شحوب الوجه، اصفرار الأسنان فأشعر بلا انتماء نافر تجاه جسدي، أسوى خصلات شعري المبتلة ، لا يلهيني الشرود عن إخفاء ندبة الصدغ الأيمن بخصلات الشعر التي تنسدل على كتفي ، تهبط عيني من المرآة إلى صورة المبكى، أتأمل عينيها اللامعتين فأتعجب، قسوة تلك العينين أين كانت حينها، أتأمل الابتسامة ، أبحث عن طابع الرقة المرتسم بغامزة خدها الأيسر.. أفتقدها .. فأفزع .. ما ألبث أن أتذكر أني افتقدتها منذ أعوام فأعيد الفزع إلى حصالة مشاعري، عيني تصطنع اللاتعمد كي تركن بنظرتي إلى الدبلة الفضية الملتصقة بالركن العلوي الأيمن للإطار ، أسحب نفسا عميقا من لفافة تبغي وأزفره في وجهها فيرتجع الدخان إلى وجهي، أحتج به لتبرير الدموع التي ملأت عيني.
من تحت زجاج التسريحة تظهر تلك الصورة المتهالكة والتي يحفظها لوح الزجاج من التفتت ، أراني فيها جسدا ضئيلا نشيطا ، فأفعل ما نويته عشرات المرات على مدار خمس سنوات .. ألتقط فتات الصورة في حرص غادرني منذ زمن لا أتذكره.
(4)
بجوارهم تجلس أمها وجدته ، تثرثران ببعض الحديث الذي يتلهى هو عنه بمتابعة التلفاز ، فمنذ أن غزت ملامح الرجولة الوليدة وجهه ، أصبح يأبى عليها الانهماك في استماع أحاديث النساء ، بعض الوقت وينتزع نفسه من شروده أمام شاشة التلفاز
إلى أين ؟-
لا شيء سأصعد إلى السطح-
يفيق من شروده على تردد صوت أنفاسها من خلف أذنيه فيبتسم لها في شرود.. لحظات وما تلبث أحاديثهما أن تتصل.. بعض الوقت وتتراجع كثافة الكلمات حتى تصل إلى بعض الغمغمات يطلقانها من وقت لآخر..يتصلب جسده من الجلسة التي ارتكنا اليها بعد أن طال بهما الحديث، فيتململ ممنيا نفسه بأن تذهب وتدعه لشروده يتأمل وجهها ، عينيها المتسعتين ، خصلات الشعر الأسود التي تعابث عينيها بتحريض من الهواء ، تدفعه رجولته حديثة العهد إلى الهبوط بنظراته على صدرها الممتلئ فيتذكر أنه لم يكن هكذا منذ عهد قريب ، يواصل فضول الاستكشاف فيهبط بنظراته إلى أردافها.
أين ذهبت انقطع حديثك؟-
- لا شيء.. أريد أن أفعل شيئا وأخشى غضبك
ماذا ؟.. لن أغضب -
يتجه بكفه بتردد تائه في أرض جديدة ..تنظر إلى الأرض في خجل وتدعه يعبث بجسدها وكأنه لا يخصها أو يعنيها في شيء.. يمسك بكفها وينتحي بها جانبا لا تلحظهما فيه عين.. ينزع عنها ملابسها قطعة بعد قطعة حتى تتعرى تماما فيأخذه الوجوم أمام تضاريس جسدها التي يستنكرها بعض الوقت.. يتآلف معها بعض الوقت.. يحبها بعض الوقت.. تتجه هي بنظراتها إلى اللاشىء وكأنها تنتمي إلى مكان آخر. يطيل العبث وما يلبث أن ينتزع يده في فزع مستنكر.. تنظر إليه ثم إلى نصفها السفلي.. تنزع نظرتها في خجل.. وتعود بهما إلى اللاشىء.
(5)
وسط المدينة يدع خطواته تأخذه إلى اللامكان، متجنبا الشوارع المزدحمة يسير، إلى البيوت والحوانيت والمقاهي القديمة ينجذب، يشعر بألفة سنوات بعيدة تشده إلى أستوديو صغير بالطابق الأرضي لمبني ضئيل.. متهالك.. مدخل المكان يهبط إليه بثلاث درجات سلمية متآكلة..تجتذب عينيه بعض الصور المعروضة والتي تنتمي إلى زمن كان.. ينظر إلى الصورة التي تضمها كفه في رفق فيشعر بها كائنة في هذا الزمن.. ولكنها ما زالت تنتمي إلي.. هكذا يغمغم لنفسه.. ينظر إليه ملتصقا بمقعده كأنه لم يغادره منذ وقت بعيد.. يقلب في جريدته التي لن يتعجب اذا اكتشف انتمائها لسنوات مضت
لو سمحت ..-
ينزع عينيه من جريدته..يتجه برأسه إلي فلا أشعر بنظراته فأرجح أنها لم تعد موجودة من الأساس.. يهز رأسه هزة المستفسر..فأنظر إلى صورتي في تردد ثم إلى وجهه .. أرفع صورتي حتى تصبح في نطاق نظراته اللامحسوسة وأغمغم: أريد نسخة منها..
ينهض عن مقعدة و يلتقط الصورة من كفي بلا مبالاة آلمتني.. يغيب بصومعته بعض الوقت .. ثم يعود بلا أي تعبيرات على وجهه ..ويغمغم أثناء عودته إلى الالتصاق بمقعده:
النيجاتيف متهالك..
                                     وليد خطاب
-
   
شيء من النقد:
بداية تقليدية..
العنوان:

رائع..فكرة العنوان الذي يحتمل أكثر من معنى.خلايا الذاكرة"القشرة الرمادية في المخ"، وكذلك المعنى الآخر "خلايا" = وحدات منفصلة-متصلة.
"رمادية" = الحالة الرمادية
.

عناصر الكتابة:
الزمن:
استخدم اسلوب الفلاش باك، في المشاهد 2 و 4 مع تغيير ضمير الخطاب من المتكلم للراوي العليم، لأنه يتحدث عن زمن مضى ينظر إليه من أعلى.
هو يبدأ أحداث يوم عادي في 1و3و5 يتقاطع معها الذكريات، التي تسير للأمام أيضا مشهد2 الطفولة. مشهد 4 المراهقة.
الإيقاع:
هو أهم عناصر هذا العمل. يفرض عليك العمل جوه بعدة طرق من أهمها الوصف البطيء لكل حركة.
أختيار أفعال الاكتئاب والبطء (يتسلل - أتأفف- أتكاسل- أتململ- تعترف بموت) كل هذا من أول ثلاث سطور.

ولكن هنا لي ملاحظة.. المشهد رقم 2 بما إنه يتحدث عن الماضي السعيد فقد غير في الأفعال والصور ليناسب الجو، وكان من الضروري أن يحاول تكرار ذلك في المشهد 4 بما إنه يتكلم عن مرحلة سعيدة أخرى، ولكن نجد هنا(فيتململ ممنيا نفسه بأن تذهب وتدعه لشروده) أنا مقتنع بالجملة كمقدمة لما يليها، ولكن مشهد الحب الحزين بعدها لا يتوائم مع تركيب القصة ، فضلا عن إنه لا يتوائم مع نفسية مراهق.
الحكاية:
في غاية البساطة والروعة. شخص يريد عودة الماضي عن طريق إعادة طبع صورته القديمة، لكنه – بالطبع- لا يستطيع فقد ذهب الماضي.
فقط هو لكي يفعل ذلك يعبر على كل الأماكن المؤلمة في الذكريات، يستحضر المشاهد السعيدة فقط كي يزيد من ألمه.
يحكي قصة خطوبة فاشلة(بالنظر للدبلة الفضية المثبتة في العلبة) تتداخل مع نفسه عن طريق نثرها عبر القصة، وفي النهاية يريد أن يسترجع هذه الذكري – ذاته القديمة عن طريق تجميع الصورة.
مناطق مضيئة:

القلادة ذات الدائرية المبتورة:
هي أحدى القلادات التي يقتسمها المخطوبين معا وهي مفتاح مشهد البداية.ها هو صباح جديد كئيب بدونها. ثم يلعب على القلادة التي تمثل الأثر الباقي منها
"أتمثل دائريتها المبتورة..أقبض عليها..أحاول أن أنزعها..أقذف بها بعيدا..أطؤها بقدمي..ولكني أعلم أني لن أفعل، فأحتويها بكفي مدفوع بحنان العجز..فأكرها"..هذا شعر!!.
تقطيع الكلام، الذي يوازي الحدث، يعمل نوع من الإيقاع.ثم المفردات"أتمثل"بمعنى أستحضر ولكن بقوة أكبر فنحن نتحدث عن محسوس."المبتورة" مبني للمجهول، ثم استخدام أقوى الأفعال"يبتر"الذي يستخدم مع الأعضاء البشرية بدلا من "يقطع"المستخدم مع الأشياء."أحاول" كل ما جاء بعدها هي مشاهد في مخيلة البطل لا تحدث في الواقع، تكتمل مع "ولكني"القاطعة، ثم يكمل المشهد الحقيقي بـ"فأحتويها"ويضع السكين مزدوج النصل في آخر الفقرة"بحنان العجز..فأكرهها".أليست هذه هي طعنة"الدونج"التي حدثونا عنها في الموسيقى؟
مرة ثانية:
"أتمثل"هو فعل الاستحضار الهاديء.هو يستعيد ذكري ما، والتذكر يكون هاديء.ثم يصعد لذروة الإيقاع في الجمل التالية حتى"أطؤها بقدمي"ثم يكتمل" الكريشندو""الإيقاع المتصاعد"بالطعنة المذكورة من قبل.

مثال آخر: "التي يستنكرها بعض الوقت..يتآلف معها بعض الوقت..يحبها بعض الوقت"في جمل بسيطة مكثفة ينتقل بإحساس البطل من حالة لحالة.

"فمنذ أن غزت ملامح الرجولة الوليدة وجهه، أصبح يأبى عليها الانهماك في استماع أحاديث النساء" أعجبني هذا التحليل النفسي لمشاعر المراهق.

مثال أخير: مشهد النهاية كله من أفضل مشاهد القصة فاختيار الجو الذي يستحضر الماضي كان موفقا للغاية
"تجتذب عينيه بعض الصور المعروضة والتي تنتمي إلى زمن كان"

مثال بعد الأخير: طعنة النهاية التي تمثل قمة العمل" النيجاتيف متهالك.."


نقاط مظلمة:
1- تكررار الا عبر القصة" لا انتماء – لا مكان – اللامحسوسة - اللاشيء"

2-البطل المدخن:تم توظيفه في القصة بشكل أكثر من جيد، وكان يمكن حتى الزيادة على(السيجارة على الريق)المقيتة؛في أول مشهد، ولكن تكرار البطل المدخن في أعمال وليد الأخرى أمر تم التنبيه إليه وتخلص منه بعد ذلك.

3-الطفل المختلف:أيضا كان من الممكن استغلالها في باقي المشاهد و لكن لم ألحظ ذلك الاختلاف في باقي العمل.







Friday, 17 August 2007

اربط - يحترق



رِقّ
.. اربط على إحساسكَ الأحلى
.. وهادنْ
اتئدْ
.. هادن ضجيج الحزنِ
وارجوه الهدوءْ
.. ٍواركع على خوف
.. وناجيه التلكأ .. ليلة أخرى
فقط ليلةْ
.. ومع ضوء النهارْ
.. اطفئ ضجيج الشمسِ
إحساس الفرحْ
.. اكتم سعادتك الأقلْ
.. ورغبةَ العيش الأقلْ
.. والحالةَ الحلوى الأقلْ
...
اقتل جميع الانفعالاتِ .. السعاداتِ
الأقلْ
.. وافرش بساط الحزنِ
.. ْاجلس
استكنْ
...
....
فالآن إذ تدنو..
تئنْ
.. يُهديك من جوفهْ
حريقًا من فرحْ
...
...
..
لا
يستمرْ

دينا أحمد الحصي

نحن أمام نص – حالة شعورية، شديدة الرهافة. تمشي على حافة دقيقة لمحاولة تمديد تلك الحالة؛ برهافتها، لأطول مدى زمنى.
لذا فتنتهي تلك الحالة بالتطاير مع أول تغير طفيف في درجة حرارة الشعور.
ولكي ابتعد عن المصطلحات الكبيرة التي لا أجيدها، فسأحاول الأمساك بمفردات النص:
اربط(أجمل أفعال النص)- هادن – اتئد- ارجوه الهدوء – ناجيه التلكأ – فقط ليلة – اطفيء – اقتل – اكتم – استكن – تدنو – تئن.
لا يحتاج الأمر للشرح إنها قد استخدمت كل المفردات الممكنة الدالة على طلب الانعزال داخل النفس ثم طلب الثبات على تلك الحالة.
لكن إذ تقترب القصيدة من نهايتها فتعمل قفزة في الحالة من السكون لحالة الاحتراق. وبهذا تصنع بنية سهلة للقصيدة توصل الفكرة البسيطة.

إذا ما ناقشنا القصيدة بشيء من التفصيل ربما نقول أن هذه البساطة قد أوقعت الكاتبة في التكرار. مثل (هادن . اتئد – هادن ضجيج الحزن ) (هادن ضجيج الحزن - اطفئ ضجيج الشمسِ) ولكن هذا التكرار ذاته من سمات هذا النوع بالتحديد.
وما لا يعجبني صراحة في القصيدة هي طريقة كتابة نهايتها.. أتفق تماما مع الفكرة وأختلف مع التنفيذ.
الفكرة هي أنه بعد كل هذا التسكين على طول القصيدة نصل للذروة الشعرية في النهاية، وهو اسلوب شائع. لكن المفروض أن هذه الذروة لا تحتاج منك للتفكير، هي تحتاج للأحساس بشكل مطلق. هنا تحتاج للتفكير كي تصل لمعنى(لا يستمر) أن هذا الفرح مثل النار التي ستحرق إتزان تلك الحالة الحساسة. لكن ما فعلته هي أن كونت فكرة الاشتعال في صورةمركبة(يُهديك من جوفهْ حريقًا من فرحْ) يا صباح الخير، هذا ليس مكان هذه الصورة إطلاقا. ربما من الأفضل كثيرا أن تنهي الموضوع بالسقوط في الفرح فتشتعل. هكذا اتخيلها أنا على الأقل
(الحالة كلها كما قلت متطايرة مثل الكحول، شريط طويل من الكحول تنقط عليه نقاط من الجلسرين كي تثبته لأطول وقت ممكن كي لا يتطاير. ولكن يأتي في النهاية عود كبريت في الطرف كي يشعله في لحظة)

ربما نتكلم عن عمق النص وكون إننا فهمناه من أول مرة يعني أنه نص سطحي.
وأرد على ذلك بأن النص لم يدعي أبدا ذلك العمق مثلما تفعل الكثير من النصوص السطحية بافتعال الغموض. هي حالة تفرض نفسها عليك، ولا تريد شيئا منك سوى أن تدخل بها قبل أن
تتلاشى.



Sunday, 12 August 2007

مشينا بلد الأحزان

هل مر الوقت بهذه السرعة. كنا في بداية عام 2005 عندما تعرفت على كريم. لست في حاجة للإفاضة في وصف العلاقة، لكن مع انشغالي ببداية عملي في ذلك الوقت كانت علاقة متوسطة. بالتأكيد كنت معجب بكتابته ولكن كان رأيي أنها ينقصها العمق. كان مازال في بدايته، حيث كانت بدايته في 2004. في بداية هذا العام قدم قصص مثل "الجتيمة" و"وادي الجن" و"نسيت" كانت كلها تركز على التكنيك. استخدام تكنيكات كتابة جديدة ومتنوعة وكذلك الدخول بكتابته لمناطق الرعب والمناطق النفسية. ولكن كما قلت كان يعيبه عدم التعمق في الفكرة. وبسرعة شديدة كان لابد من التحول وأتت"جيم أوفر"، وهي في رأيي نقطة التحول في كتابة كريم. التكنيك في أعلى مستوياته مع وجود رؤية في العمل، صحيح أن الفكرة كان يمكن معالجتها بشكل أعمق كما قلت له، ولكن بسرعة أتت "الجثمان" وكانت بداية مرحلة جديدة في كتابته.
القصة نفسية تدور في جو اسطوري مقبض، النص نفسه ممتع،بمعنى أنك تدخل في الحالة التي أرادها الكاتب تماما، ولكن المشكلة هنا هي في عمق العمل. ذات مرة كتبت تعقيب طويل عن العمل وعن رموزه وصوره السينمائية، لدرجة أني وصفت أحد مشاهده كما أتخيلها لو صورته بكاميرا. وبعد ذلك العمل ذهب للمصيف في مرسى مطروح وقال لي قبلها"ها أكتب هناك المسوخ" "يا راجل حد يروح مرسى مطروح ويكتب قصة اسمها المسوخ حرام عليك" "أه صح المفروض الواحد يكتب حاجة دلع كده"
وقد كان. وأعتقد أن أي من المغامير يتذكر "المسوخ" إلى الآن.
المهم ما طولش عليكو قول طول. جه شهر رمضان، وفيه كان كريم في قمته. كان بيكتب "آخر أفلام الأكشن" وبرضك مافيش نغنور إلا وطلع في العمل ده وأتبهدل. وكتب "فول بالزيت الحار" و"تدعيات الماضي" بأجزائها التلاتة. وكان الجزء التالت اسمه "مشينا بلد الأحزان" وده العمل بتاع النهاردة.


3 ـــ مشينا بلد الأحزان :
ولكن هذا ما حدث ...تداعيات من الماضي الذي يأبه أن يستكين في رقاده... ومن حين لأخر يقوم بحركة مفاجئة دلالة علي ان جهازه العصبي ... مازال يعمل بكفاءة ...

( ويلي من الغربة يا با ويل...ويلي ويلي..ويل ويل...يابا ويل
مشينا كتير ...تعبنا كتير ....مشينا لوحدينا ....بعدنا)

هل هذه هي الذكري السادسة ؟...هل مر الوقت بهذه السرعة؟
ولكني لا أستطيع ...لا أستطيع تذكر ملامحه ....كيف كان يبدو ؟..كيف كان هو ؟
كيف لا أستطيع تذكر ملامحه ؟...قلبت كل صوره ..حتي التي في حافظتي ...وجلست أعتصر عقلي لرؤية ملامحه ...فبدأت الذكري تتسرب لعقلي ..
(عرفنا الخوف ..في عز النور ..وبقينا نخاف من حبايبنا)
(وهأتسميه أيه ؟..أيه رأيك في عبد الرحمن..أو محمد..أو نادر علي اسم الدكتور الفلسطيني اللي...)
لكن الاب يختار اسمًا أخر ..وللحظات يتذوقه بعقله قبل أن يستقر عليه .ويقول : بس هو هادي قوي كده ليه ؟ دا حتي صوت عياطه بأسمعه بالعافية ...انا خايف يكون تعبان.
خايف يكون تعبان ...
خايف يكون...
خايف .
(ضيعنا أحلي سنين..وأزاي هانقدر يوم نرجع).
كان أول مرة يروا أحتشاد الدمع في عينيه ...وكان أصابعه تذهب وتجيء لتؤد الدمع في عيناه ...كان طفله الأول بين الحياة والموت...وكان بنيانه الضعيف مستسلم للرحيل ..لا تبدو عليه أي مقاومة ... فمه المفتوح عيناه الزائغة ..برودة جسده ...خاف الأب أن يموت ولده .
خاف الأب أن يموت ...
خاف الأب أن ..
خاف الأب ...
خاف .
(دا أحنا يا دوب عايشين ...والدنيا دوامة بتخدع )
(يالا ..واحد ..أتنين ..تلاتة).
ثم يبدا الطفل في الغناء أمام المسجل بصوت غليظ :
في السكة في السكة .
في السكة شفت اتنين ماشين مع بعضهم,
ما تقلش رايحين فين سيبهم مع بعضهم
امشي بعيد عنهم في السكة خلي بالك منهم في السكة
في السكة فيه حلوين ماشيين بيتمخطروا...
يتعايقوا بالفساتين تملي يتمنظروا
بالابيض ..... والاحمر........ والاخضر ................ والاصفر
(ودلوقتي ...غني أعلان كيتو).
ويبدا الطفل في الغناء ...ثم يسمعوه ما تم تسجيله ..ومن ثم ياخذه الوالد
الي الشرفة ..ليراقبوا ...ليشاهدوا هذا الشارع...الكبير ..الواسع...الهاديء.......الخالي علي الدوام .....الخائف .
( بقي لنا سنين في نفس الليل ....والحزن مغير ملامحنا)
حول صاج الكعك ...أجتمع الجميع ...في مرح ...ودعابات ..ومزاح ..يمضي الوقت ..
(يا بني صغر شوية ....أنت هتعمل عيش؟!!!).
ربما تتضايق من الزحام في صالة الجدة الضيقة...لكن لا تقلق...ما هي الآ سنون تمضي ...حتي يخف الزحام......وتشتاق اليه .
أنظر الي المساحات البيضاء..الناتجة عن قلبي لجميع صوره...سأعتمد علي نفسي لأتذكر ملامحه ...أعتصر عقلي أكثر وأكثر فتتسرب الذكريات كالزئبق...أغمض عيناي فربما تظهر صورته في ظلام الأغماض ....ولكن لا فائدة....أتنهد تنهيدة حارة تذيب ثلوج النسيان ولكن ...مازلت لا أري ملامحه.
(بنبكي مرار بحرقة ونار....والدمع بينزل يجرحنا)
(حبة فول أنما أيه.....وبقولك لو خلص الفول انا موش مسئول)...وأكل الجميع ألذ طبق فول أعده الوالد ...لماذا يتحتم علي العشاء الأخير...أن يكون بهذه الروعة...هل هي قاعدة؟! أم انها فقط لتصيبك بالحسرة الخانقة فيما بعد ؟
(متجيش ورايا ..وأنا رايح اجيب النتيجة )..يقولها الطفل الذي صار في المرحلة الثانوية الأن ولكنه لا يزال طفله الأول.
(خلاص...أتكل علي الله ) والابتسامة تتراقص علي شفتيه .
(تؤ ...بقولك ايه...موش عايز أحراج..كل صحابي أكيد هيروحوا لوحدهم.)
(طيب...طيب...أتكل علي الله عشان ماتتخرشي.)
يقول الطفل قبل أن يغلق الباب: أوعي تيجي ورايا.
في المدرسة...وسط الزحام الرهيب من الطلبة وآبائهم ...يتمني الطفل لو كان والده معه حتي ....
(أيه يا كابتن ماجد؟ عملت أيه؟) كانت هذه من الوالد الذي ظهر بعد ابتسامته التي لم يفسد بريقها التدخين الكثير.
ثواني تملكت الدهشة فيها الطفل قبل أن يقول : خد رقم الجلوس ..وأتصرف انت.
وفي العودة لم يستطع الطفل أن يلوم الوالد علي أنه أتي...ولكن وحتي الأن..وحتي بعد سنين كثيرة ...لا يصدق أنه في اللحظة التي تمني فيها ..أن يكون بجواره...وجد نفسه في أحضانه .
(مبروك ) يقولها الوالد .
(علي أيه يا عم ...دي لما ماما تعرف المجموع ..حتـ..حتزعل.)
(يا عمي ... ولا يهمك ...عشان بعد كده تسيبها علي الله ..وتبطل الحسابات الكتير).
(تعال ..نشرب حاجة ساقعة...يا عم الناجح)...ما زال هو .
بأصرار:(لالالا ..تعال نشرب عصير قصب)...كانت من الطفل الذي يتسائل حتي الأن ....ماذا لو كان يعرف أنها المرة الأخيرة ؟
( بقي لنا سنين في نفس الليل ....والحزن مغير ملامحنا
بنبكي مرار بحرقة ونار....والدمع بينزل يجرحنا)
أنظر لوجهي في المرآة ..عسي أن أستطيع أن اري ملامحه ...يطل علي وجه كئيب حزين...وجهي .
الأن تنتهي اللعبة؟!
الأن ينتهي المزاح ؟!
أهذه اللحظة ؟ التي سيقفز فيها من رقاده ...ليعلن أنتهاء المزاح علي ثقله....ولكن هذا ما لايحدث .
من الصعب أن تصدق أن الوجه الباسم ..أصبح لا يضخ حياة لمن حوله.
من السهل تصور وجه ثقيلي الظل ..وهم موتي ...ولكن هذا الوجه ..الذي تموج من تحته بحر رمال ضاحكة...تنغرز فيها ...و لاتتمني أن تخرج منها..
هل ما زلت لا تصدق؟
أن وجبة الأفطار ..كانت الأخيرة .
أن وجبة الغداء ..لن تتناولها معه ثانية ؟....اهي النهاية ؟...وكيف ؟
الآ توجد فرصة أخري...لو ثواني قليلة .
خرجت الأنفاس من الصدر...ولن تعود....أبداً
الأن فقط عرفت سبب هذه العين الحزينة المرهقة...والتي مهما أحاطتها سحب الأبتسام والضحك...لم تنفرج أساريرها ...هل كان (أبن موت) كما يقولون .
(ضيعنا أحلي سنين..وأزاي هانقدر يوم نرجع دا أحنا يا دوب عايشين ...والدنيا دوامة بتخدع)
أحاول تذكر ملامحه ...فلا أتذكر....كدت أضعف وأقلب الصور لأرها...أم أعتمد علي نفسي؟...وذاكرتي ؟....ضعفت وقلبت الصور...ولكن وياالدهشة...لا توجد سوي مساحة بيضاء أخري .
خنقني اليأس...فأندفعت للحياة ....وظللت لا أتذكره...لا أراه...كئيب..حانق..مختنق ...
ألتمعت عيناي ببريق التحدي (أياه)...عندما برقت ملامحه أمامي ...في أبتسامة ...وضحكة...من أحدهم ...بسببي .
((ضيعنا أحلي سنين..وأزاي هانقدر يوم نرجع دا أحنا يا دوب عايشين ...والدنيا دوامة بتخدع))
كريم فراج
 29/10/2005





لن أنقد هذا العمل. هذا هو قراري، بالرغم من إني نقدته كتابة من قبل. فقط سأذكر قصتي معه.
في ذلك الوقت كنت أسكن في 6أكتوبر. بعيدا عن منزلي الذي قضيت به عمري. كنت أحس بالغربة. وفي أحد الأيام دعانا قريب لنا لمنزله، بالرغم من معرفتي القديمة به إلا إنها كانت المرة الأولى لرؤيتي لمنزله. المنزل هو أحد المنزل العائلية بمعنى أن المبنى كله خاص بعائلة واحدة، وكل أسرة تحصل على شقة أو دور. أتذكر الحائط بجوار الباب الذي توقف عند المحارة ولن يكتمل دهانه أبدا، وذلك الخط الطفولي بالطباشير الذي كتب به أولاده أسمائهم عليه (علا – ندي - علي)من أعلى لأسفل. ثم غرفة الضيوف التقليدية جدا بذلك النيش الذي أكره فكرته، والنجفة والسجاد الثقيل وصورة الزفاف التي تتصدر الغرفة، باختصار غرفة ضيوف تقليدية تماما من النوع الذي أكرهه تماما، ولكن في ذلك الموقف كان الأمر يختلف. أحسست بهذا الحنين الوغد لتلك الأيام. أيام طفولتي. حتى في ذلك الوقت كانت شقتنا الصلية تغيرت وبفضلي كانت كثير من هذه المفردات قد تخلصنا منها للأبد.
لن أتكلم عن الجلسة التي كنت سأمل منها في أي وقت آخر من العزومة في كل لحظة لأكل المزيد، وكأنني لم أكن صائما. ثم الحديث عن الطرق الصوفية بعد أن لاحظت صورة أحدهم، ولكن ما أفجعني تماما هو اندفاع البنت الصغرى ومقاطعتها لجلستنا والقائها نفسها في حضن أمها بمنتهى البساطة. وقتها كنت متوقف تقريبا عن الكتابة، فكرت في تلك اللحظة: كيف يمكنني أن أنقل كل تلك المشاعر. كل ذلك الدفء، وإن استطعت نقله، كيف يمكنني أن أنقل احساسي بتلك اللحظة.
فكرت أن نقل الإحساس بالكتابة مستحيل، لكن بعد ذلك بوقت قصير وفي شهر رمضان قرأت هذا النص.. ورجعت للكتابة ثانية.




Thursday, 9 August 2007

دوائر من حنين 1



كانت الفكرة إني اقدم ثلاث قصص. لثلاث كتاب.
اتكلموا في موضوع واحد على فترات متباعدة.
المشكلة إن القصص دي جمعتهم في الحياة الحقيقية.
فبقى في القصة وما وراء القصة.
أضرب لكم مثال.
سنة 2003 كانت سنة تخرجي. كنت يا دوبك مكتشف موضوع الكتابة في آخر 2002. على 2003 ابتديت اسأل نفسي السؤال اللي بسألوا لنفسي كل فترة: أنا بكتب ليه؟
وكل شوية أطلع بأجابة جديدة
وقتها كانت الإجابة.. بما إن اللي بكتبه صعب إنه يوصل للناس وإذا وصل احتمال كبير إنه ما يفرقش مع حد في حاجة.
طب خلاص اكتب لنفسي.
وكانت القصة اللي جاية.

   
دوائر من حنين
- الشمس تأتي من المشرق، تحديدا من خلف تلك العمارة العالية، ولكن العصافير تأتي من كل مكان. سوف تحط قليلا على شرفتنا كي تأكل من حبات الأرز الذي وضعته أمي لهم. نقرة نقرتان...ثم تطير.
- يوم الخميس الساعة الحادية عشرة والربع تخرج من المدرسة. تحس أن اليوم كله ملكك، ليس مثل يوم الجمعة يضيع سريعا ثم يكون عليك النوم مبكرا حتى تستيقظ للمدرسة. لابد أن أعود الآن للبيت سريعا حتى ألعب مع نفسي. أمسك بقطعة خشب كمضرب وكرة تنس طاولة خفيفة وأظل أضربها في الحائط.
- أصبحت مزعجا كثيرا، لم تكن كذلك عندما كنت صغيرا. الساعة الثانية بعد الظهر هو موعد فترة موسيقى الشعوب على البرنامج الموسيقى، كانوا يذيعون موسيقى صينية لهذا اليوم، كنت أرقد على الكنبة الأسطمبولي بحيث أواجه صورة الكعبة المشرفة التي تحتل أكثر من نصف الحائط . هناك ضوء هادىء ينبعث من شيش الغرفة شبه المقفل يعضده ضوء آخر من المنور. كانت الموسيقى هادئة و المغنون كأنهم يصلون، تماما كما تخيلتهم عندما رأيتهم على الأطباق الخشبية الصغيرة التي أضع عليها أكواب الشاي. أمسك بين أصابعي قطعة خيط أظل أكورها وأتخيل كائنات خرافية فيها.
- سعاد جارتنا تحب الأطفال. تأخذنا أحيانا في غرفتها لتلعب معنا، ساعة العصر كل الأطفال يلعبون سعداء و أنت تتظاهر بمطاردة الذباب لتجذب الاهتمام ! طفل ماكر، ولكن حتى أكثر الأطفال مكرا في العالم لن يفلت من يد الدهر. يكبر الأطفال وترتفع بينهم الحواجز شيئا فشيئا.في البداية ينشغلوا بعالمهم الجديد، ثم ما يلبثوا أن يحنوا إلى عالمهم المفقود.
- ساعة العصر مرة أخرى . تعود من مركز الشباب البعيد عبر شارع متحف المطرية. عالم جديد فيه البيوت منمنمة مثل الأكواخ التي كنت ترسمها في كراس الرسم. كلها من طابق واحد. الشرفات صغيرة الشوارع الداخلية صغيرة ، حتى أسماء الشوارع استبدلت بالأرقام.
- لكن آلا تخبرني ما الذي استهواك في الليل. ظللت لسنوات تنام بالنهار وتصحوا مع الليل. وما أن يلفك صمته حتى تجابهه بخلفية موسيقية مناسبة، علي ضوئها تذاكر أو تقرأ أو حتى تكتب حتى يطل الفجر.
- في الفجر كان ميلادي ويوم اكتمال أمومتك، تقولين هما من خرجت به من الدنيا وأقول أنت دنياي، أورثتني معظم ملامحي وتلك النظرة المحدقة في الفراغ, فصرت تعيشين بداخلي كتنويعة لحن واحد على ألآت مختلفة.تستيقظين كل يوم في الفجر لتصلى ثم تيقيظينا . تتحايلين على إسلام حتى يشرب كوب اللبن الساخن أما أنا فأطيع في صمت. ثم تسقين الزرع، وتضعين الأرز للعصافير الطليقة ، ولكن في ذلك اليوم. في ساعة الفجر بالتحديد، حاولت أن تقومي من الفراش. ولكن لم تستطيعي.
- في الفجر تدخل علي طفلة جميلة . أجمل طفلة في العالم "بابا مازلت مستيقظا" فأقول "تعالى لأعطيك" فتأتي وتقولي "ماذا ستعطيني؟" فأحتضنك و أقول "العالم ! ولكن العالم لا يكفى، خذي هذا القلم الرصاص" "وماذا أفعل به؟ " " تكتبين "...... " ماذا أكتب؟"

- تحت ستر الليل سوف تنمو جدائلك ، في صمت كما يليق بهدوء الليل ، وأحيانا في صخب كما يليق بشابة مثلك . تكتبين وتظلي تكتبين حتى يطلع عليك الفجر فتنظرين من الشباك مأخوذة بالضوء المباغت للصباح وتفتحي الشباك على إتساعه ليدخل منه ضوء النهار . تحط حمامه بيضاء لتلتقط حبات الأرز من علي سور النافذة وتنظر لك بعين حانية.




17/9/2003

سنة 2004 كنت قربت أخرج من الجيش وارجع لحياتي الطبيعية.
ولما رجعت لمكتبة الزيتون كان في واحد قرا القصة دي وعجبته.
الواحد ده كان اسمه كريم
وهو اللي هتناول قصته المرة الجاية















Friday, 3 August 2007

أيتها الوردة




أيتها الوردة
أيتها الوردة الصغيرة
أحيانا هشة وضئيلة
أحيانا أشعر أن كفا واحدة
تكفي لكي تحتويك




ولكن فجأة
تلمس قدمي قدماك
وفمي شفتاك
فإذا بك تكبرين
و إذا بكتفيك جبلين
و إذا صدرك يغمر صدري
فلا تكاد يدي تحيط بخصرك النحيل كهلال وليد



إنطلقت بالحب نفسك جارفة , موج بحر
يرتطم بالسماء التي تضيئها عيناك
فأنحي على فمك
وأقبل الأرض



بابلوا نيرودا









Thursday, 2 August 2007

العربية اتغيرت

العربية اتغيرت
العربية اللي اتعلمت عليها السواقة ومن يومها ماركبتش غيرها
بجد متأزمة نفسيا جدا
ليه تتغير وهي كويسة وبنت حلال عشان نجيب واحدة اوتوماتيك ماشية بيها أكني أول مرة أسوق
مش متحكمة فيها وحسة بالإحساس اللي كنت بحسه أيام ما كنت لسه بتعلم السواقة
حسة إني كارهة السواقة وكارهة أنزل بالعربية تاني وهاين عليا أعيط بجد
بجد كنت بحبها.. وزعلانة فعلا إنها مش هتبأى معايا تاني
لك مني كل تحية يا سيارتي العزيزة
......
على الهامش
كنت أبحث عنه داخل كل سيارة لانوس سوداء
وكان يبحث عني داخل كل سيارة لانوس نبيتية اللون
أصبح هو بلا سيارة بعد زواجه
وصارت سيارتي أخرى جديدة.. بيضاء

Posted by امرأة تقول الذي لا يقال


كلما قرأت هذا النص وجدته يستفزني للكتابة عنه، والاستفزاز في هذا النص المبدع هو ذلك القناع من بساطة مخادعة تخفي تحتها ركام من التعقيد. نبتدي من أول التكنيك اللي هو أول شيء بيلفت نظري. التكنيك ده بسميه (الموت المفاجيء) زي طريقة لعب المنتخب الإيطالي. الدنيا ماشية بيس وبعد النص ما تفتكر انه خلص يسيب لك ملحوظة صغننة أو معلومة صغيورة تعيد ترتيب الدنيا من تاني. هنا التكنيك مستغل بأفضل صوره، لأنها عملت تغيير بسيط في الملحوظة وهو النقلة من العامية للفصحى وده بيعمل حالة انتباه للقاريء(خلي بالك هنا في نقلة) مع الحفاظ على بساطة الجمل، اللي من غيرها ما ينفعش تعمل قفلة قوية.
تاني حاجة النص نفسه.. وده مشكلة كبيرة
الكاتبة هنا بتجرك معاها واحدة واحدة
العربية اتغيرت.. وأنا مالي- ده أول انطباع. بس هي ضحكت عليك من أولها وبعتتك في سكة تانية.
العربية اللي.. هنا بداية السحب العاطفي بربطك بحاجة مادية، عشان لما تتكلم عن موضوع المانول والأتوماتيك تكون وصلت لقمة التعاطف معها.
الموضوع عامل زي كل حاجة بتتعامل معاها بتلقائية في حياتك.. ساعة لما قريت النص لأول مرة فكرت إني ممكن ادخل المطبخ بالليل وأعمل لنفسي كوباية شاي بدون ما أولع النور.. ببساطة إيديا عارفة مكان كل حاجة.. موضوع السواقة عامل زي كده.. بالذات الفتيس محدش بيبص عليه وهو بيحركه.
لو مريت بتجربة انك تعيش في مكان تاني هتفهم الكلام اللي بعد كده.. حالة الضيق وكراهية الدنيا لافتقاد شيء مكنتش بتفكر فيه لما كان معاك، بس لما تفقده بتحس اد إيه كان عزيز عليك وكنت بتحبه من غير ماتاخد بالك.
قيمة كل اللي فات ده هو نقلك في مستواها الشعوري.. بمعنى آخر توحدك مع حالة الكاتب بأبسط وأقل كلمات.
التقيل ورا..
تقل الأربع جمل مش في النقلة من العامية للفصحى مع الحفاظ على حالة البساطة.
ولا في طعنة المعلومة إنه فيه واحد اتجوز وسابها
ولكن في يقينها من إنه لسه بيدور عليها
والأدهى إنها لسه بتدور عليه في عربيته السودة اللي باعها.
والطعنة الكبيرة في الجملة الأخيرة.. لما بفكر إنه بيبص على كل لانوس نبيتي بشكل تلقائي، دون قصد منه، بس عمره ما هيلاقيها تاني عشان هي غيرت العربية غصبن عنها

على فكرة اللينك بتاع المدونة مكتوب تحت اسم امرأة بترغي - عادي يعني .