Saturday, 16 August 2008

ذئاب الزمن الجميل


هذا المقال يحتوي على عادة سيئة نرجو من السادة القراء عدم اتباعها حرصا على المشهد الحضاري، ألا وهي عادتي السيئة في قراءة الصحف المفتوحة بين يدي الركاب بجواري في المترو. ولكني أعترف أنني بهذا السلوك الشائن أجني فوائد كثيرة في ضربة واحدة. فأنا لن أشتري صحيفة مثل "الجمهورية" في كل الأحوال، وكذلك كل ما يتفرع من "دار التحرير"، وبالطبع "الأخبار" في ثوبها المقطقط الجديد. ولكن الفضول- قاتله الله- يدفعني في بعض الأحيان لتصرفات تضر بالصحة وتهدد الحياة؛ كقراءة مقال كامل لـ"أسامة سرايا"-عندي شهود على هذه الواقعة- وكذلك فإنني عن طريق هذه الممارسة المتلصصة أطالع الصفحات الأكثر قراءة من الجمهور
ذات مرة كان الشخص الجالس أمامي يفتح صحيفة الجمهورية. وقد قلب الصفحات كلها ولم أجد فيها ما يشجع على القراءة. سألته لماذا اشتراها من الأصل؟ أجابني بأنها "أخف حاجة". وبهذا توصلت لنظرية "السجائر المقروءة" وهي النظرية التي فسرت لي كثيرًا من الأمور. فكلنا نعلم أن السجائر "بتحرق الصدر"، فكذلك القراءة تفعل الأسوأ و"تحرق العقل" وكلنا يعلم أنه لا يوجد قطع غيار لهذا الجزء من الجسم
عندما طبقت هذه النظرية المباركة على مختلف نواحي وزوايا الحياة – حياتنا – وجدتها تخدم كثيرا سكان العشوائيات( ملاحظة: بالنسبة لسكان القاهرة الكبرى نرجو التنبيه أننا نسكن عشوائية كبيرة.. انتهى)فإذا ما فكرت وتفكرت في تفاصيل حياتك-أو حتى عمومياتها- فربما تفاجأ برائحة شياط تبعث من تحت فروة الرأس. وخصوصا في هذا الموقف المتروهجي -نسبة للمترو- الحار الرطب المشبع بأنفاس وعرق إخوانك في المواطنة، فأنت في حاجة لصنف خفيف لا يعلو بالرأس لمرحلة الاحتراق الذاتي
لكن ليس كل ركاب المترو في وداعة هذا الأخ. فكثيرا ما أقابل هواة صفحة الحوادث، وكذلك هواة صحف الحوادث الهابطة(ملاحظة:كل صحف الحوادث هابطة)ولكن هناك صحف أكثر هبوطا من غيرها. يمكنني كتابة الكثير عن بائعي هذه الصحف داخل المترو وجمل الدعاية وعلاقتها بعالم الدعاية الكبير، وكذلك عن قارئي هذه الصحف وعلاقتهم بعالم المتفرجين الكبير، ولكنني أتوقف عند مرة عادية كنت أتابع فيها صحيفة حكومية عادية في صفحة الحوادث العادية تكتب خبر عادي عن
أربعة من الذئاب البشرية يختطفون طفلة ويتناوبون اغتصابها لمدة ثلاثة أيام
ولأن الحدث ليس بالإثارة الكافية فيضيف المحرر بعض البهارات بأن الشقة التي تمت فيها الجريمة كانت لربة بيت وظلت تتابع العملية بتلذذ غريب، سألت نفسي في البداية من أين عرف سيادته شعورها وهي تتابع العملية
لكن الفكرة التي سيطرت علي هي عند هذه الطفلة-13سنة-التي تم اختطافها من الشارع في سيارة تاكسي. فكرت ما الذي تبقى لها من الحياة. فكرت أنه إذا كان موتها سيكون أقل إيلاما لها مما حدث، فلابد أن تكون العقوبة العادلة من جنس العمل بأن يكون موتهم أقل إيلاما من العقوبة.. بأن تكون عقوبتهم هي حد الحرابة والإفساد في الأرض
فكرت بأن العالم قد صار مكانا لا يحتمل، بأن ابنتك أو أختك الصغيرة لم تعد في أمان، إلا لو عينت لها حارسا خاصا يتبعها كظلها كلما غادرت عتبة المنزل. فكرت بأن العالم قد صار مكانا لا يحتمل أن ما فعلته الدولة(جدعنة منها)في حالة الطفلة التي أنجبت من حادثة مشابهة، لم يتعدى أن (وهبتها) شقة.. أي نوع من التعويض هذا؟!!!.فكرت بأن العالم قد صار مكانا لا يحتمل أننا صرنا نقرأ كل هذا في الصحف ونعتبره نوعا من "الدماغ الخفيفة" التي نقرأها في المترو للتفكير خارج الرطوبة والعرق.. بل ربما نعتبره نوعا من البهارات التي تضيف نكهة على أحداث اليوم المملة
ثم صرفت تفكيري لنقطة أخرى: كلمة"الذئاب البشرية" صك المصطلح نفسه وتكراره يغير من ذهنية الحدث، بحيث يصير تقبل الفعل أكثر سهولة. وهناك نقطة أخرى: الذئاب لا تفعل مثل هذا. كل الموضوع هو تكرار التلاعب بالكلمات.. كما يفعل "سرايا" و"القط"، الفارق الوحيد هو اختلاف الجهة التي يتم التلاعب لصالحها. في هذه الحالة التلاعب يكون من أجل القاريء الذي لا يريد الصحفي أن يخسره بأن يريه الحقيقة كما هي، فقط مجرد استعارة أخرى تقذف ذهنه بعيدا عن الواقع كأنه يهمس له.. هؤلاء ذئاب، هل سبق أن رأيت ذئبًا في الشارع؟ لا.. إذًا أنت في أمان. هذا ما أعنيه بتغيير ذهنية الحدث

أتذكر يوما بعيدا أنشئت فيه هذه المدونة وفكرت في اسم لها فاخترت"ذئب متوحد" للتعبير عن نفسي، ثم أطلقت اسم "ذئاب الجبل" على مجموعة من أصدقائي الذين توسمت فيهم "التذئب". هناك أنواع من الذئاب تعيش في قطعان، ولكن الخروج عن القطيع واختيار طريق متفرد. تحمل الوحشة واحتمال ضلال الطريق.. كل ذلك اعتبرته شجاعة تستحق الإعجاب

لكنني اليوم عندما أنظر لشعار المرحلة الحالية-الصورة الموجودة بالأعلى- أرى صورة أعلى من الشجاعة. في البداية عندما أخترت صورة هذه الفتاة الصغيرة جذبني إليها قدميها. هذان القدمان الكبيران نسبيا، وذلك الحذاء الأولادي.هذه الحالة من السير مثلت لي الاصرار. الملامح الدقيقة التي لا تحمل أي تعبير مثلت لي حالة السيطرة على المشاعر، أيا كان ما بداخلك فلن يظهر على وجهك
الآن حين أنظر ليدها الرقيقة التي لا تملك غيرها لمواجهة هذا العالم الموحش المتوحش.. لابد أن أحسدها على تلك الشجاعة

8 comments:

fawest said...

نظريتك تحتاج الى تفسير وأطر حتى تصبح منهج على العادات السيئه التى أبتلينا بها

دى أخف حاجه

يعنى الاغتصاب والتلذذ بمشاهده الجنس

هى دى أخف حاجه
بقينا متعودين حتى القرف والزباله
هى دى لعنه القط والسرايا
دايما بيصدروا لينا أننا فى أحسن حال
وأحسن حال دى والناش شايفاها
هى السرقه والحديد المولع و...........
وما أدراك

العنكبوت النونو said...

احم احم
طيب الأول سلام عليكم
الناس اتريقت عليا كتير عشان احم احم دي وكل اللي اكلمه يقولي انتي عندك برد؟
ما علينا
ماهو انت اللي غلطان
يعني كان مين يعني مين اللي قاللك تفكر؟
ولا مين يعني اللي كان قاللك تقرا ولا تكتب
انت الغلطان
في بلدنا دي طنش تعيش تاكل قراقيش
اما بالنسبة للبنت دي مش عارفة ليه انا على عكسك شايفة كتير من اللي جواها في ملامحها
الاصرار اللي بتحكي عنه
الحلم
الحاجة الوحيدة اللي فاضلة... مش فاضلة قوي يعني
بس احنا هنعمل ايه غير اننا نحاول ونحلم
ومين عارف

باسم المليجي said...

عزيزي فاوست
كلمة نظرية دي كبيرة قوي على كلامي، لأن مش كل الناس بتقرا جرايد بسبب نسبة الأمية. وبعدين مش كل الناس بتشرب سجاير
فيه اللي بيشرب معسل

باسم المليجي said...

العنكبوووت الصغنن
اتفضلي يا بنتي بيتك ومطرحك محدش كاشف راسه
من حق كل واحد إنه يشوف في اللوحات اللي هو عايزه، بالنسبة لي هي كانت بتعبر عن حالتي.. حتى لو مفيش حلم هفضل ماشي ولو على السراب

ست الحسن said...

جذبني إليها قدميها. هذان القدمان الكبيران نسبيا، وذلك الحذاء الأولادي.هذه الحالة من السير مثلت لي الاصرار. الملامح الدقيقة التي لا تحمل أي تعبير مثلت لي حالة السيطرة على المشاعر، أيا كان ما بداخلك فلن يظهر على وجهك
الآن حين أنظر ليدها الرقيقة التي لا تملك غيرها لمواجهة هذا العالم الموحش المتوحش.. لابد أن أحسدها على تلك الشجاعة


أنا أحسدك أنت
على طريقتك في تحليل الصورة

وبالإضافة إلى أنني أتفق معك فيما تراه بها فأنا أرى هزيمة حقيقية تنتظرها في الخطوة القادمة وأعرف أنها تعرف بالرغم من ذلك ستخطو بهذا الاتجاه لأنها يجب أن تكون هناك

فريدة... said...

عندي تعليق بس مش هعرف اقوله

ممكن اقول مؤقتا

ممتع جدا يا باااااسم

تحياتي

الله عليييييييك

باسم المليجي said...

عزيزتي ست الحسن
في الأصل أنا من هواة فن الكاريكاتير. لا أستطيع الرسم بشكل جيد إطلاقا، ولكني أعتقد أني متذوق له.. بداية قصتي مع الموضوع كله كانت مع مجلة كاريكاتير التي كان يرأس تحريرها مصطفى حسين. كنت أدخر ثمنها من مصروفي وأشتريها أسبوعيا وأنا طالب في الإعدادية. في هذه المجلة كان يوجد ما يشبه بابًا يعرض لوحة عالمية(فن تشكيلي) مع نقد وتحليل ظريف لأستاذ مصطفى تحت عنوان(مختارات درش)بعيدا عن أي مصطلحات أو تعقيدات-بالمناسبة حزنت جدا لما فعلوه به في جريدة الأخبار بالذات تصعيد المدعو عمرو فهمي مكانه- ولكن هذا موضوع آخر-الآن أستمتع بالجيل الجديد من رسامين الكاريكاتير، وصاحب الصورة هو مخلوف الرسام في جريدة الدستور التي تضم عدد رائع من رسامين الكاريكاتير الموهوبين فعلا
خلاصة الأمر سعدت بمرورك

باسم المليجي said...

الفنانة فريدة
هه!!
مستني تعليقك الكامل