قصة فنجان
ما فائدة كل هذه القصص والروايات إذا لم تكن سوى محاولة لتشبيه الواقع؟ استعارات لأسماء أشياء كي تعبر عن أشياء أخرى! أي عبث؟!
ما الفارق بين الجندي شجاع كالأسد، أو الجندي أسد؟.. ما الفارق بين هراء وهراء آخر؟! الجندي جندي والأسد أسد، و إلا سيصبح من حق الجندي أن ينام طوال النهار منتظرا لبؤته الحبيبة عندما تعود له بجثث الأعداء.
الأسوأ هي تلك المحاولات البائسة لوصف حالة ما.. هل يوجد اثنان يحسان نفس الشيء، بنفس القوة ونفس الطريقة؟ بل حتى هل يظل شعورك هو نفسه مع تغير الزمن؟ إذًا لصار كل حب تالي بنفس قوة ونشوة الحب الأول.
لكن الأمر يتجاوز ذلك، فإذا افترضنا أن القصص والروايات-بالرغم من كذبها- تغير شيئا لهان الأمر، لكنها في عالمها الافتراضي تتحدث عن أشخاص وهميين يقومون بأفعال وهمية كما يأمرهم خيال المؤلف المريض، أو حتى كما تقتضي القواعد الأرسطية، وفي النهاية نصل لنقطة التنوير ولحظة الإشباع حيث تتجمع الخيوط كي تنقذ البطل أو حتى تقتله.. كم كان سيكون هذا رائعا، لكن المشكلة أن به عيب خطير. أنه منطقي.. منطقي أكثر من اللازم، ونحن نعيش في هذا العالم. ليس في عالم المؤلف وبالتأكيد ليس في عالم أرسطو أو أفلاطون.
وبالرغم من كل هذا مازلت تطالبني بالقصة.. حسنا ربما يكون هذا هو نوع من إدمان الكذب لكلانا. ولكي لا تتهمني بالتهرب وفقد القدرة على الحكي؛ سأمنحك ثلاث قصص لا واحدة. فلنبدأ بقصة الفنجان الصيني
" كان يا ما كان.. في يوم من الأيام.. فنجان صيني لم يصنع في الصين، ولكن في شيني حيث يكمن "كل سحر الصيني"- لن ألومك إن لم تكن سمعت بالإعلان من قبل- كان هذا الفنجان يعيش مع إخوته الفنجانين وسط طاقم كامل من الصيني خاص بوالدتك.. ومع مرور الأيام وتقادم عمر الطاقم والانتقال من بيت لآخر بدأ إخوته في النقصان.. أحس هو بالوحدة، ولكنك لم تتركه. أخذته في غرفتك وصنعت لنفسك فيه الشاي والكركديه والنسكافيه.. الينسون والليمون والنعناع. وفي يوم من الأيام كسرته. ستقول إنك لم تقصد. ستقول إنك كنت تحبه ولا يمكن أن تكون قد قصدت ذلك. ستقول وتقول.. ولكن ما الفائدة. أنت فعلا قد كسرته، ولا يمكننا في هذه الحالة بناء الفعل للمجهول. بالتأكيد لا يمكننا إصلاحه. وكذلك لا يمكننا شراء واحد آخر. لأنك لن تجد مثيلا له في السوق فالمصنع قد أغلق منذ زمن بعيد.. والعمال قد سرحوا."
هذه هي القصة الأولى.. إليك الثانية
حسنا هذه القصة تتعلق بك أنت، فإذا سمحت عليك أن تخرج من نفسك قليلا وتنظر لها من الخارج؛ لأن المرآة لن تفيد في هذه الحالة. اختر وقتا مناسبا مثل وقت النوم ليكون الخروج أسهل. حلق بهدوء في فضاء الغرفة-سيكون أفضل لو حلقت في فضاءات الغرفة ولكننا سنكتفي بفضاء واحد هذه المرة كي يمكنك أن تلقي نظرة أقرب على نفسك النائمة- آه.. كم تبدو كملاك وأنت في هذه الحالة!
ولكن هذا سيجعل القصة مملة أكثر مما يحتمل، لذا سنكملها فيما بعد ونقفز الآن للقصة الثالثة.
هي قصة درامية بعض الشيء، وفيها تعود من الخارج منفعلا بعض الشيء. هل كنت غضبانًا أو فرِحًا؟ لاتذكر، ولكنك كنت تحت تأثير موقف درامي ما سيشرحه المؤلف فيما بعد، ولن يؤثر في قصتنا هذه بأي صورة.كانت حركتك مضطربة، يدك مرتعشة ولكن ليس من ضعف.. تعد لنفسك فنجان من أي شيء مما سبق ذكره فتسقط يد المهتزة الفنجان.. ستحاول أن تظهر الألم، ولكن أرجوك لا تفعل فأنت فاشل كممثل. ولن يعطيك المؤلف دور الملاك في هذه القصة كما كنت تَعِدْ نفسك.. وللأسف دور الشيطان محجوز فلن يمكنك تجاوز ألم الفقد بسهولة، ولكن هناك دور ثانوي لإنسان يخطيء موجود في الفصل الثاني لقصتنا. يمكنك أن تؤديه مبكرًا ثم تعود سريعا لفراشك كي تنام سعيدًا بأدائك فتظهر الابتسامة على وجههك أثناء نومك فتبدو كالملاك حين تخرج من نفسك وتحدق فيها من الخارج. ترفرف سعيد هذه المرة في فضاءات الغرفة، فلم يعد يكفيك فضاء واحد. تفتح شيش الشرفة؛ فينساب نور القمر الرومانسي. يغمرك فتصفو نفسك، وتُجَلى بصيرتك فتعرف طريق النبع دون مرشد. تصل هناك فتخرج خبيئتك التي قد أثقلتك. خبيئتك القذرة.. قلبك الملوث.
يقول الؤلف:
كل منا يحتاج إلى هذه اللحظة كي يتمكن من الاستمرار في الحياة.. لحظة التطهر. يحاول جاهدا أن يصل لها بكل السبل.. يتذرع بكل الذرائع الصادقة والكاذبة كي يعود للحظة الميلاد أو حتى لعمره الجنيني السالب. ناسيا أصله المنوي النجس. هل في هذا نوع من الحنين للأصول الأبعد؟ حنين لأصلي التراب والماء؟
تخرج مديتك الحادة وتشق قلبك بحثا عن مضغتك السوداء التي ترسخت وانتشرت كالسرطان. تغمر قلبك بالماء الأوَلي.. تنتظر من جزيئاته السحرية أن تستبدل نفسها مع ذرات الخبث، أو على الأقل أن تأخذها وتذهب بعيدا.
ولكن لا تنتظر الكثير، فلن تنتهي هذه الرحلة كما توقعتها أنت أو أنا، فنحن في هذا العالم ولسنا في عالم المؤلف الافتراضي.
يقول المؤلف:
هناك مواقف لا يستطيع المؤلف أن يضيف لها حرف كي يختمها. البعض يكرهون تلك اللحظة وينسفون ما كتبوا، ظنا منهم أنهم قد فشلوا. بالنسبة لي أراها أفضل اللحظات وأكثرا تماسا مع الواقع.
20/6/2008
5:50ص
8 comments:
احب اقول الصورة جااااااااااامده جدا يا فندم
و كمان عندي تحفظ
على جمله في النص
"ناسيا أصله المنوي النجس" مش فاهمه ليه نجس ؟
يعني الاصل انه طاهر
اه هو نص مؤلم قريته كذا مره تقريبا تلاته او اربعه. و مش عرفت احط ايدي على السبب
بس جميل و ممتع
سعيد بإعجابك بالصورة.. بس أي صورة بالظبط؟
بس مش فاهم التحفظ
ممكن الرجوع لأي كتاب فقهي.. متهيألي الموضوع معروف مش محتاج أدي أمثلة من نصوص
وسعيد إنك مقدرتيش تحطي ايدك على السبب، لأن من الحاجات اللي تحسب لنص انه يمتعك بدون ما تمسك فيه سبب
بالنسبة للصورة
الصورة اللى على شط البحر
بالنسبه للتحفظ
و الله هو ده اللي اعرفه
و لما دورت لقيت الآتي
المني طاهر على القول الراجح من أقوال العلماء ودليل ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه . متفق عليه وفي رواية لمسلم " ولقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه وفي لفظ " لقد كنت أحكّه يابسا بظفري من ثوبه ". بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك غسله وهو رطب ويكتفي بمسحه بعود ونحوه كما روى الإمام أحمد في مسنده ( 6/243 ) عن عائشة رضي الله عنه قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت " يزيل ويميط " المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويَحتّه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه " ورواه ابن خزيمة في صحيحه وحسنه الشيخ الألباني في الإرواء ( 1/197 ) .
و شكرا على كل حال
ما أبدعك
حقيقي أسلوب في السرد مدهش ،ومعالجة الفكرة بطريقة ديرة بالمحترف وقدرة على جذب عيني القاريء غير المدقق لتجعله يقرأ مرغما كل كلمة ..
يقرأ ليست الكلمة المناسبة ، ربما "يتشرب" تناسب المعنى أكثر
وبعيد عن تصنيف العمل/التدوينة ، فقد أحببتت ان أسجل إعجابي
وبالنسبة لموضوع طهارة المني المثار
هو أكيد فيه خلاف بين الفقهاء عن طهارة المني أو نجاسته ، أفتكر الشافعية قالوا بطهارته والجمهور على نجاسته ، لكن الإجماع منعقد على أنه شيء حقير .. أو مهين كما وصفه القرآن
" ألم نخلقكم من ماء مهن"
بل إن القرآن يترك ذكره في أحد المواضع تحقيرا لشأنه فيقول للكفار
"كلا إنا خلقناهم مما يعلمون"
ولذلك فقد ورد ن أحد السلف أنه قال لأحدهم وقد أسرف في التباهي بأجداده ونسبه
فقال له " إليك عني يا هذا فإني والله قد عرفت أصلك وفصلك" ، فقا لالرجل وما أصلي وفصلي؟
فقال العالم "أصلك لا يقوم بالمال وفصلك يستحم منه الرجال" مشيرا بالأصل إلى التراب وقد عرف بين الفهاء بحرمة بيعه لأنه غير متقوم يعني
valueless
ومشيرا بالفصل إلى ماء الرجل لما كان له من حقارة الشأن عند العرب ،
الخلاصة أقترح استبدال ب"أصله النجس" "أصله الحقير" خروجا من الخلاف ، و
يكفي هذا ، أقرأ بقية التدوينات ، وربما تجدني معلقا مرة أخرى في نفس الجلسة
عزيزي محمد
فعلا منشكح بكلمة يتشرب دي.. مكنتش متصور كده، وديه لوحدها تكفيني
بالنسبة لقصة نجاسة المني فاعتقد أني لست أحرر حكم فقهي هنا. الموضوع عمل أدبي، وإن كان منهجي هو تحري الدقة في المعلومات المذكورة
وكما قلت من موقع علمي أن رأي الجمهور يتوافق مع ما ذكرت
وإن كان سبب ذكري له هو أدبي بحت وليس له علاقة بالحكم الشرعي -والذي كنت أخمنه بشكل طبيعي من ثقافتي الدينية غير المتعمقة-وكذلك أثبت التعليق الأول وصولي لجزء من غرضي الأدبي من الجملةوهو قسوتها
وفي النهاية
أعتقد أن موضوع التدوينة أوسع من جملة واحدة
وبعد النهاية
مازلت سعيدا بتعليقك
استعارات لأسماء أشياء كي تعبر عن أشياء أخرى
هل يوجد اثنان يحسان نفس الشيء، بنفس القوة ونفس الطريقة؟
وبالرغم من كل هذا مازلت تطالبني بالقصة..
ولن يعطيك المؤلف دور الملاك في هذه القصة كما كنت تَعِدْ نفسك.. وللأسف دور الشيطان محجوز فلن يمكنك تجاوز ألم الفقد بسهولة، ولكن هناك دور ثانوي لإنسان يخطيء موجود في الفصل الثاني لقصتنا.
لم أستطع سوى أن أعلق على هذا الجمال
القصة التي نطالب بها أنفسنا دائماً لا تخضع لمنطق الحكي بقدر ما تخضع للرغبات الكامنة المُحرِّكة لكل الأفعال
أما عن الدور الثانوي في القصة فهو أكثر الأدوار ملائمةً لطبيعتنا ولنشكر المؤلف لأن كثيرين غيرنا بلا دور على الإطلاق
سؤال حقيقيّ
هل نعني نفس المعنى باستخدامنا نفس الكلمات ؟
سعيد بالزيارة يا ست الحسن
وبالنسبة لإجابة سؤالك
فأعتقد
أن الكلمات ليست سوى رموز قاصرة، فهي قد تعني لكل واحد معنى مختلف
باختلاف البيئة والثقافة والاحساس
وكثير من الاختلاف بين الناس في عدم فهمهم لهذه النقطة وتقدير المعاني المختلفة للكلمة الواحدة
Post a Comment