Saturday 18 October 2008

أنا التاريخ


في البداية يجب أن أعتذر عن الغياب.. بالرغم من أني أعلنت منذ البداية أن الموضوع لا يعدو كونه وقتًا مستقطعًا، لحظات مسروقة من الحياة أدون فيها. فكرة التدوين نفسها هي ما أفكر فيه الآن. كل هذا العدد من الناس الغير مهمين في هذا البلد غير المهم.. الذين يعيشون في فترة تاريخية غير مهمة سيحكيها التاريخ في بعض أسطر. ربما يقول أنه من عجائب هذه الفترة أنه قد تحولت مصر للمرة الأولى في التاريخ لمصر- مبارك. قد يذكر الكباري والأنفاق، لكنه سينسى كل الأوهام التي باعتها لنا الحكومات المتوالية
لكن كيف سيمكنه التوقف أمام كل تلك المدونات؟ أمام ملايين الساعات التي قضاها المدونون يكتبون عن آرائهم.. تأملاتهم.. ذكرياتهم.. وحتى أشيائهم الخاصة جدًا. إنها المرة الأولى التي يبتعد فيها التاريخ عن الشخصيات العامة والأحداث الكبري. ويصير الحدث الرئيسي هو
"تأملات نكرة أثناء سيره في شارع غير معروف"
الليلة كنت أمر بجوار "قصر فهمي"، أو بالأحرى بقاياه. منذ طفولتي وثلث مساحته تقريبا كانت مباعة ومحفورة لسنوات حتى تم بنائها بصف كامل من العمارات العالية. بقيت بعض المنشأت في باقي المساحة. وسأظل أمر بجواره لسنوات؛ أتعجب من بقاء البرجولة الخشبية على حالتها طوال تلك السنين. منذ أن بني في عهد ما قبل الثورة.. أي أكثر من نصف قرن. حتى أتى أحد المقاولين واستولى على باقي الأرض لتستمر القصة التي بدأت منذ حوالي عامين لتغير شكل المنطقة للأبد
قد يقول البعض أن هذه سنة الكون. ولابد للقديم أن يهدم ويحل محله الجديد.. لكن.. ماذا نفعل في كل هذا الحنين الذي يعترينا؟
عندما كتبت "تماس" فيما سبق كنت أتخيل أني أمشي في شارع "جوبيان" الذي يتقاطع مع شارع "قصر فهمي" ويوصل لمدرستي الأبتدائية "عزت باشا". أتخيل هذه المنطقة عندما كنت طفلا ولم يكن هناك ضوء في الليل سوى إضاءة خفيفة من بعض البيوت. سيطر على ذهني شكل هذه المنطقة عندما تنقطع الكهرباء. ويصير الظلام دامسًا في كل تلك المنطقة الواسعة.. إلا.. من ضوء السماء.. ضوء الظلام. شعور بعودة الأرض للإلتحام مع السماء، وأنك تمشي في السماء الأرضية، العتيقة التي اكتشفتها توًا. لا أعتقد أني أمتلك كلمات لوصف هذا الإحساس
"أنا لم أخف الظلام فأحَبني. وصرت أمشي فيه وحيدة ويحبني.. ويبعدني عن العالم في مساربه الخفية. حيث استأنس بنفسي وصوت أنفاسه الهادئة. وطلع القمر وقال لي (حيث كان القمر يستطيع الكلام وقتها) هل تحبيني؟ قلت: نعم أحبك أنت أيضًا. فغار الظلام وقال: لكنني أنا الأصل فاختاري بيننا. فاخترت الظلام

الآن فقط أسمنت يلتهم السماء. أضواء الأعمدة الكهربائية تظل معك طوال الليل رغما عن إرادتك. ضوضاء عليك أن تعيش معها.
ترى أيزيد الألم بطول الفرح؟ إذًا أيهما أفضل.. أن تمر حياتنا بدون فرح كبير ولا حزن عميق.. أم نفتح صدورنا للزهور والرصاص؟
ما كنت أفكر فيه فعلا هو الجمال. في رأيي أن الحب ليس سوى جزء من هذا الجمال، حتى الحب بمفهومه الواسع الذي يشمل العالم كله. الحب في حد ذاته متعة. مكافئة نمنحها لأنفسنا دون أن يفعل الطرف الآخر شيء سوى أن يكون نفسه.. مثل الزهرة مثل القمر. بعضنا يحب أن يمتلك الزهرة، والبعض يحلم بامتلاك القمر، لكنهما فعلا يمنحان نفسيهما لكل من يحبهما. لا من يمتلكهما

إحساسنا بالجمال هو الأصل، لذا أفكر في كل هؤلاء الأطفال الذين سيولدون حتى دون أن تكون لديهم الفرصة ليروا هذا الجمال كيف سيكون حبهم؟
ما هو شكل حب المولات والتوقف في إشارات المرور منتظرين لمرور موكب الرئيس؟ حب المترو المكتظ والمستقبل الغامض؟ وسط كل هذا التحرش الجماعي بالنساء. قهر رأس المال للرجال
ما هو نوع الأحلام التي سيحلمونها؟ هل حلم البيت الصغير الهاديء صار كافيا؟ أم هو حلم الشقة الطابقين وفيلا مارينا؟ هل سيحل محل حلم القمر؟ وهل سيحل حلم الشقة الـ63 متر محل حلم الزهور والأشجار؟
أؤمن بأهمية ماديات الحياة، لكني أفكر الآن في قيمة أي شيء حصلت عليه مقارنة بقيمة تلك اللحظات في الشرفة في المساء أتأمل السماء السحب والنجوم. لحظات ما بعد المطر ورائحته – قبل أن يرصفوا الشوارع – وأنا أتعلل بالذهاب للمدرسة لأمشي في تلك الشوارع التي تحولت لبرك. مظاهرة العصافير اليومية في شجرة التوت الضخمة. آلاف اللحظات أحملها في ذاكرتي الضعيفة. ربما أوصلها في يومٍ ما، بشكل ما، لأي إنسان في هذه المدينة.. عله يبصر
"تك..تك
تك..تك
صوت آخر نقط مطر قبل مـ السما تقفل
لكن بينفد شعاع العصر والشمس بتودع
شعاع ضعيف.. لكنه شايل ألوان السما السبعة
طاقة تتفتحلِك ف السما
تطلي منها
تشوفي
تتمنى ما تعودي"

7 comments:

هدى said...

مش بقولك بقيت حساس

بوست حلو قوي

مع اغنية وحدن لفيروز

أصابتني بلفحة حنين مفاجأة لكل ما قد فات حتى ما مرت عليه لحظات

يمكن انت تاني حد خلال اسبوع يصيبني بصدمة ان الحاجات اللي بتمشي مش بتيجي تاني

عارف مرة كنت مع وليد ورضوى في الجامعة كان قدام كلية اعلام حيث قضيت اربع اعوام من عمري اتجول حولها .. غيروا شكل المكان شالوا جزء كان مرتفع عن الارض بسور كنا بنحب نقعد عليه بين المحاضرات خصوصا اخر النهار لما الشمس تكسر .. لما لقيتهم شالوه خرجت مني جملة تكشف عن مدى سذاجتي

قلت" أمال احنا هنقعد فين؟؟"

ردوا عليا وخصوصا مع سيطرة العقلانية على خريجي قسم فيزياء انتوا مين وهتقعدوا امتى

ادركت لحظتها اننا لم نعد هنا .. لم نعد سويا .. لم يعد لوجود السور معنى بدوننا

..

اقول فيك ايه بس

صباحك حنيييييييييييين

باسم المليجي said...

بالرغم من إني مش بهرش بس هحاول اتعالج من الحساسية دي
يمكن أكتر حاجة مضايقني مش حتة التغيير بس.. من كام شهر كنت رحت الجامعة عشان استلم شهادة التويفل من كلية آداب.. قلت دي يمكن آخر مرة أروح فيها الجامعة. مقدرتش أمسك نفسي إلا ورحت لكلية العلوم. لفيت المباني-والمعامل المتنطورة والحديقة النباتية. وأنا ماشي بصيت للشهادة في إيدي وافتكرت شهادة البكالوريوس.. يا ولاد الـ سرقتو كل السنين دي من عمري عشان تدوني حتة ورقة؟
لكن هما أدوني فعلا عمر تاني من الذكريات.. أدوني سكة في الحياة-حتى لو كانت مقفولة. وأنا بحب أبص قدام
لكن اللي كان مضايقني أصلا في البوست مش التغيير ولكن التغيير للأسوأ
الصورة بتاعت الشعار هي صورة لمعهد بحوث الصحراء الموجودة في المطرية في قصر أحد الأمراء.. تصوري المعهد المسئول الأول عن تطوير الزراعة وعلوم النبات في مصر يشيل أشجار نادرة من الحديقة الخلفية-المواجهة لمحطة المترو اللي بركب منها كل يوم-عشان يعمل باركنج للسادة الباحثين الأفاضل. بالرغم طبعا من إن المكان جوه واسع وممكن يتصرفو في أي حتة. الشجر اللي شالوه ده بس مش مجرد تاريخ مش هيتعوض. لكنه قيمة جمالية أختفت وحل محلها شوية أسفلت وعربيات
عاوز أضيف حاجة لقيتها أثناء تقليبي في النت. قصة وحدن بيبقوا.. بالرغم من عدم ثقتي بالقصة.. بس عاجباني

انا حابب احكيلكون قصة هالغنية :gem:
هي الغنية من شعر طلال حيدر
قال هاد الزلمة عندو بيت بالجنوب و كان يسهر ع البلكون تبعو كل يوم و مرة شاف اربع بنات بالليل فاتو بالحرش و اختفوا ,,, فقرر الزلمة يسهر يستناهون بس مارجعوااااااااااااااااااا ااااا
و تاني نهار سمع عن اربع فدائيات قامو بعملية استشهادية بالجنوب و كتبلون هالغنية ....

ست الحسن said...

طبعاً أنا مش مسمحاك ع الغيبة الطويلة دي
وموضوع وقت مستقطع مش معناه انك متهتمش بالمدونة
وبعدين الناس اللي بتعدي ومبتلاقيش حاجة جديدة تعمل ايه يعني

..........

تأملات نكرة أثناء سيره في شارع غير معروف

لكن.. ماذا نفعل في كل هذا الحنين الذي يعترينا؟

لكنني أنا الأصل فاختاري بيننا. فاخترت الظلام

الحب في حد ذاته متعة. مكافئة نمنحها لأنفسنا دون أن يفعل الطرف الآخر شيء سوى أن يكون نفسه.. مثل الزهرة مثل القمر. بعضنا يحب أن يمتلك الزهرة، والبعض يحلم بامتلاك القمر، لكنهما فعلا يمنحان نفسيهما لكل من يحبهما. لا من يمتلكهما


أنا حاسة اني محتاجة اعلق على كل فقرة لوحدها
البوست ده دسم جداً ومكتوب بذكاء
يعني الحنين مضّفر مع الحب ومخلطوين مع تساؤلات مخيفة عن شكل بكرة اللي جي

محدش عارف يا باسم بكرة هيبقى شكله ايه
والخوف مش عالجيل اللي جي قد ما هو ع الجيل اللي راح وساب لينا أغاني وأشعار وأدب وفن وسينما كلها بتتكلم عن الحب ومحدش عمره شاف الحب ده ولا يعرف هو ايه
الناس كلها بتحاول توصف أثره
كل الناس اللي عمرها ما عاشته ولا تعرفه هتلاقيها بتتكلم عنه كويس

أنا آسفة
بس احنا كلنا عايشين في كدبة كبيرة ووهم أكبر منها

ماذا نفعل بكل هذا الحنين الذي يعترينا؟
أنا كتبتها تاني علشان عجبتني أويييييي

وبجد
ماذا نفعل بالحنين


...........

آه
بحب وحدن دي بجد
وبحس انها فعلاً بتنده على ناس بتحبهم أوي

والحدوتة اللي انت قولتها ف التعليق وجعت قلبي


.........

متبقاش تغيب

باسم المليجي said...

بصراحة مش عارف ارد أقول إيه؟
أقول إني مش مسامحني كمان على الغيبة؟.. بس المشكلة إني مسامحني لأن عارف إن الموضوع خارج عن إرادتي.. على العموم أتمنى إن الظروف تتحسن في الفترة الجاية.. خلينا نتبع معاكي نفس أسلوب القص واللصق

محدش عارف يا باسم بكرة هيبقى شكله ايه
والخوف مش عالجيل اللي جي قد ما هو ع الجيل اللي راح وساب لينا أغاني وأشعار وأدب وفن وسينما كلها بتتكلم عن الحب ومحدش عمره شاف الحب ده ولا يعرف هو ايه

أولا أنا مش بتكلم عن بكرة-بكرة في علم الغيب- أنا بتكلم عن النهاردة بالنسبة لي
ثانيا أنا مش فاهم إزاي يكون الخوف على الجيل اللي فات؟
ماهم عاشوا حياتهم خلاص واستمتعوا! بالنسبة للجيل الجاي ممكن مش يعاني لأنه معرفش من الأصل يعني إيه جمال-وممكن برضك تكون حياتهم أجمل من حياتنا-معرفش إزاي- بالنسبة لموضوع إن محدش شاف الحب فده طبيعي لأنه مش حاجة بتتشاف. هو حاجة بتتحس
ولو محدش حس بيه بعتبره إنسان مش طبيعي. مش قصدي الحب بين واحد وواحدة ولكن الحب بمطلقه.. ده اللي كنت بتكلم عنه اساسا . اللي يفشل في حب الحياة مستحيل يعرف يحب حد. ودي حقيقة مش وهم

وعلى فكرة أنا أكتر واحد بستمتع بالمدونة فهحاول إن شاء الله إني ماغبش

هدى فايق said...

حتى لو كان الجديد

هو البار اللي فوق واشعار المرحلة

..

مرضي جدا بالنسبة ليا

لاني بضايق لما ادخل اكتر من عشرين مدونة في اليوم مالقيش غير بوستين جداد

عارفة ان كل الناس ما عندهاش الفرصة انها تكتب بانتظام

بس اعتقد انك تقول انك موجود

كوسيلة اخيرة لتواصل يفترض وجوده بيننا

شيء بسيط

..

صباحك مشتي

ســمـــر احمد said...

مرور اول ..
تجفق شلال حنين
و .. مش لاقية كلام لسه

لكن حبيت احييك على البوست الجميل

أسما عواد said...

باسم
أحييك
بوست قوي جدا
انت اتكلمت بلسان حالي
كل ما اشوف مبنى بحبه بيتهد .. بيتهد معاه جزء من كياني
وكأن جسمنا اتبني ابنفس الطوب اللي اتبنت منه المباني القديمة
حاسة والله إن الدنيا ملهاش طعم
كل الخريطة بتتغير وأنا واقفة شاهد على تغيرات المكان...
كده انا بحس بإني بكبر
لما أتكلم بحسرة عن اللي كان
تماما زي أجدادنا
افكر وأنا أطرق كل يوم باب منزل والدي ترى هل سيأتي يوم وتتحول حديقته الى شارع يصطف علي جانبيه المنازل الصغيرة مثل الصناديق
لن أسمح لذلك في حياتي لكني أعرف أنه سيكون يوما ما
وربما سيتواجد من يقول لنفسه مثلما تقول انت
تحياتي وتقبل مروري