لكن كيف سيمكنه التوقف أمام كل تلك المدونات؟ أمام ملايين الساعات التي قضاها المدونون يكتبون عن آرائهم.. تأملاتهم.. ذكرياتهم.. وحتى أشيائهم الخاصة جدًا. إنها المرة الأولى التي يبتعد فيها التاريخ عن الشخصيات العامة والأحداث الكبري. ويصير الحدث الرئيسي هو
"تأملات نكرة أثناء سيره في شارع غير معروف"
الليلة كنت أمر بجوار "قصر فهمي"، أو بالأحرى بقاياه. منذ طفولتي وثلث مساحته تقريبا كانت مباعة ومحفورة لسنوات حتى تم بنائها بصف كامل من العمارات العالية. بقيت بعض المنشأت في باقي المساحة. وسأظل أمر بجواره لسنوات؛ أتعجب من بقاء البرجولة الخشبية على حالتها طوال تلك السنين. منذ أن بني في عهد ما قبل الثورة.. أي أكثر من نصف قرن. حتى أتى أحد المقاولين واستولى على باقي الأرض لتستمر القصة التي بدأت منذ حوالي عامين لتغير شكل المنطقة للأبد
قد يقول البعض أن هذه سنة الكون. ولابد للقديم أن يهدم ويحل محله الجديد.. لكن.. ماذا نفعل في كل هذا الحنين الذي يعترينا؟
عندما كتبت "تماس" فيما سبق كنت أتخيل أني أمشي في شارع "جوبيان" الذي يتقاطع مع شارع "قصر فهمي" ويوصل لمدرستي الأبتدائية "عزت باشا". أتخيل هذه المنطقة عندما كنت طفلا ولم يكن هناك ضوء في الليل سوى إضاءة خفيفة من بعض البيوت. سيطر على ذهني شكل هذه المنطقة عندما تنقطع الكهرباء. ويصير الظلام دامسًا في كل تلك المنطقة الواسعة.. إلا.. من ضوء السماء.. ضوء الظلام. شعور بعودة الأرض للإلتحام مع السماء، وأنك تمشي في السماء الأرضية، العتيقة التي اكتشفتها توًا. لا أعتقد أني أمتلك كلمات لوصف هذا الإحساس
"أنا لم أخف الظلام فأحَبني. وصرت أمشي فيه وحيدة ويحبني.. ويبعدني عن العالم في مساربه الخفية. حيث استأنس بنفسي وصوت أنفاسه الهادئة. وطلع القمر وقال لي (حيث كان القمر يستطيع الكلام وقتها) هل تحبيني؟ قلت: نعم أحبك أنت أيضًا. فغار الظلام وقال: لكنني أنا الأصل فاختاري بيننا. فاخترت الظلام
الآن فقط أسمنت يلتهم السماء. أضواء الأعمدة الكهربائية تظل معك طوال الليل رغما عن إرادتك. ضوضاء عليك أن تعيش معها.
ترى أيزيد الألم بطول الفرح؟ إذًا أيهما أفضل.. أن تمر حياتنا بدون فرح كبير ولا حزن عميق.. أم نفتح صدورنا للزهور والرصاص؟
ما كنت أفكر فيه فعلا هو الجمال. في رأيي أن الحب ليس سوى جزء من هذا الجمال، حتى الحب بمفهومه الواسع الذي يشمل العالم كله. الحب في حد ذاته متعة. مكافئة نمنحها لأنفسنا دون أن يفعل الطرف الآخر شيء سوى أن يكون نفسه.. مثل الزهرة مثل القمر. بعضنا يحب أن يمتلك الزهرة، والبعض يحلم بامتلاك القمر، لكنهما فعلا يمنحان نفسيهما لكل من يحبهما. لا من يمتلكهما
إحساسنا بالجمال هو الأصل، لذا أفكر في كل هؤلاء الأطفال الذين سيولدون حتى دون أن تكون لديهم الفرصة ليروا هذا الجمال كيف سيكون حبهم؟
ما هو شكل حب المولات والتوقف في إشارات المرور منتظرين لمرور موكب الرئيس؟ حب المترو المكتظ والمستقبل الغامض؟ وسط كل هذا التحرش الجماعي بالنساء. قهر رأس المال للرجال
ما هو نوع الأحلام التي سيحلمونها؟ هل حلم البيت الصغير الهاديء صار كافيا؟ أم هو حلم الشقة الطابقين وفيلا مارينا؟ هل سيحل محل حلم القمر؟ وهل سيحل حلم الشقة الـ63 متر محل حلم الزهور والأشجار؟
أؤمن بأهمية ماديات الحياة، لكني أفكر الآن في قيمة أي شيء حصلت عليه مقارنة بقيمة تلك اللحظات في الشرفة في المساء أتأمل السماء السحب والنجوم. لحظات ما بعد المطر ورائحته – قبل أن يرصفوا الشوارع – وأنا أتعلل بالذهاب للمدرسة لأمشي في تلك الشوارع التي تحولت لبرك. مظاهرة العصافير اليومية في شجرة التوت الضخمة. آلاف اللحظات أحملها في ذاكرتي الضعيفة. ربما أوصلها في يومٍ ما، بشكل ما، لأي إنسان في هذه المدينة.. عله يبصر
"تك..تك
تك..تك
صوت آخر نقط مطر قبل مـ السما تقفل
لكن بينفد شعاع العصر والشمس بتودع
شعاع ضعيف.. لكنه شايل ألوان السما السبعة
طاقة تتفتحلِك ف السما
تطلي منها
تشوفي
تتمنى ما تعودي"